المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

تمارا حدّاد: دعوة أوجلان انعطافة تاريخية وفرصة نادرة لخفض العنف إذا توافرت الضمانات

56

أكدت الباحثة تمارا حدّاد بأن الشرق الأوسط يشهد إعادة توازنات تعزّز نفوذ إسرائيل وتركيا، وأشادت بدعوة السلام للقائد أوجلان كفرصة للتسوية وخفض العنف في المنطقة.

في حوار مع وكالة فرات للأنباء (ANF)، قدّمت الكاتبة والباحثة والناشطة السياسية الفلسطينية الدكتورة تمارا حدّاد رؤية معمّقة للمشهد الإقليمي الراهن، معتبرةّ أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة إعادة صياغة لتوازنات القوى، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تمكين إسرائيل وتركيا على حساب إيران، ما قد يفتح الباب أمام صراعات جديدة.

ورأت أن مستقبل سوريا مرهون بصراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، بينما يبقى النظام الحالي عاجزاً عن تحقيق وحدة داخلية، كما توقفت عند الدعوة التاريخية لعبد الله أوجلان، معتبرةً إياها فرصة حقيقية لتسوية القضية الكردية شَرِطةً توافر ضمانات سياسية وقانونية تحمي حقوق الكرد.

إلى نص الحوار:

بدايةً كيف تنظر الدكتورة تمارا إلى المشهد الإقليمي الراهن في الشرق الأوسط وسط التغيرات المتسارعة والتحولات في مواقف القوى الكبرى؟

أولاً المشهد الإقليمي الراهن بالشرق الأوسط يتسم بتحول فعلي من توازن أقطاب منفردة إلى رقعة متعددة الأوجه. الولايات المتحدة الأمريكية تريد تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، في عدد كبير من الملفات. لكن التغيرات التي تحدث اليوم في مواقف الدول الكبرى من شأنها كذلك إحداث تغيير في توازن القوى على المستويين الإقليمي والدولي. وبالتالي هناك تحركات تأتي على صعيد إعادة صياغة ترتيبات إقليمية جديدة. وبالتالي المنطقة أمام تشكيل أو ترتيب إقليمي جديد، وبناء شرق أوسط جديد. بمعنى أنه يأتي في سياق إعادة تموضع، وإعادة قوى إقليمية على حساب أخرى. على ما يبدو أن الولايات المتحدة تعزز القوة التركية على حساب القوة الإيرانية ونفوذها. هناك تحالفات مؤقتة عملية تتجاوز الإيديولوجيات. وليس فقط التركي، بل الجانب الإسرائيلي الذي له النفوذ الأكبر. فيما أن أنقرة تحاول اللعب على كافة الأصعدة بين روسيا وأمريكا. أما اليوم فواشنطن تعزز نفوذ إسرائيل لتكون القوة المهيمنة على الشرق الأوسط وتتسيّد المنطقة في إطار بناء شرق أوسط جديد، بالمشاركة مع عدد من القوى التي قد ترى واشنطن وتل أبيب أنها تحقق مصالحهما. لكن في اعتقادي هذه التوازنات في ظل منطقة غير مرتبة تدفع إسرائيل والولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية، وقد يفتحان جبهة جديدة ضد إيران لبناء شرق أوسط جديد تماماً خال من طهران وأذرعها، وبناء شرق أوسط جديد يعتمد على قوتين إسرائيل وتركيا.

كيف تنعكس هذه التحولات برأيكِ على مستقبل دولة مثل سوريا؟

سوريا اليوم لديها نظام الشرع يحاول قدر المستطاع استمرار سيطرته على الحكم، وهناك رؤية تركية للحفاظ على سوريا موحدة لكن تحت إمرة الشرع، ودون إعطاء أية امتيازات للكرد على سبيل المثال أو الدروز. وهنا فإن إسرائيل تستغل عدم قدرة النظام الحالي في سوريا على توحيد الأحزاب أو الفصائل والقوى السياسية لتعزيز حكم من شأنه تفتيت وحدة سوريا. وتل أبيب تريد تعزيز نفوذها في إطار تحقيق “إسرائيل الكبرى”. كما أن أمريكا تدعم النظام، لأنها تريد نظاماً ضعيفاً يحقق أمن إسرائيل، وتل أبيب تريد الأمر ذاته، ولكن على طريقتها بفرض الأمر الواقع وخلق مناطق عازلة في جنوب سوريا.

أين تضعين القضية الكردية في خريطة أزمات الشرق الأوسط لا سيما بعد حلّ حزب العمال الكردستاني ودعوة أوجلان للسلام؟ كيف ترين هذه الدعوة؟

دعوة السلام التي أطلقها عبد الله أوجلان، وحلّ الهيكل التنظيمي لحزب العمال الكردستاني وإنهاء الكفاح المسلح خطوات تشكل انعطافة تاريخية. كما أن هذه الدعوة تفتح الباب أمام تسوية سياسيّة دائمة وطويلة الأمد، ولكن بشرط إذا توافرت ضمانات أساسية تخص حقوق الكرد وخاصة داخل تركيا. أعتقد أنها دعوة صادقة، وتشكّل فرصة نادرة لخفض العنف، وإعادة دمج الكرد مدنياً وسياسياً، وتقليل عامل عدم الاستقرار في تركيا وعبر الحدود الأخرى في سوريا والعراق. وأكرّر أن نجاحها يتطلب ضمانات وشفافية المسار، وتوافر شروط تتعلق بالحماية القانونية للمكون الكردي. والأمر ذاته بالنسبة للمكون الكردي تحت حكم الشرع، فعليه أن يعطهم حقوقهم السياسية والقانونية والمدنية والبرلمانية وغيرها، كما يجب حمايتهم تحت إطار الدولة السورية. كما أن هناك حاجة إلى دور دولي وإقليمي يساعد على توفير ضمانات سياسية، وعدم ملاحقة الكرد قضائياً، وضمان مشاركتهم السياسية. وأن يكون هناك نظام سياسي عادل فيما يخص مختلف المكونات والأمر ذاته بالنسبة لسوريا.

هل ترين أن المجتمع الدولي يتعامل مع القضية الكردية كقضية حقوقية وسياسية عادلة، أم ينظر إليها فقط من زاوية المصالح، وكيف يتشابه وضعها مع وضع القضية الفلسطينية؟

المجتمع الدولي للأسف لم يتعامل مع القضية الكردية كقضية عادلة، بل تعامل معها من زاوية المصالح. هناك تشابه بين القضيتين الكردية والفلسطينية كقضايا عادلة، لكن الفارق يكمن في أن الفلسطينيين على أرضهم يريدون حقوقهم وحق تقرير مصيرهم. أما بالنسبة للقضية الكردية فهناك ازدواجية كبيرة لدى المجتمع الدولي الذي يتعامل معها كقضية حقوقية تتعلق بحقوق اللغة والثقافة الخاصة بالمكون الكردي، لكن عملياً تنظر هذه الدول إلى المصالح الخاصة والأمنية والتي يتعلق بعضها بعلاقة هذه الدول مع تركيا. الدول الغربية تتعامل مع القضيتين الفلسطينية والكردية في إطار تحقيق المصالح وليس التوصل إلى حلول جذرية أوسع. القضية الفلسطينية صحيح أنها أصبحت أكثر اعترافاً على مستوى الأمم المتحدة، في المقابل فإن القضية الكردية أكثر تعقيداً لأنها موزعة بين 4 دول.

في ضوء تجارب الصراع والحروب، كيف تقيّمين أوضاع المرأة في الشرق الأوسط وهي تعاني كثيراً؟ وكذلك والمرأة الكردية بشكل خاص، من حيث دورها وحقوقها؟

كلما زادت الصراعات كلما قل الاهتمام بالمرأة وأوضاعها، وقلت قدرتها على تعزيز حقوقها. لكن المرأة الكردية وسط هذه الصراعات خاضت مجالاً أصبح له وجوداً، وقدمت رؤية محترمة للغاية، وتدافع عن حقوق المرأة، وتعمل على تعزيز حرياتها. ولكن علينا أن نضع في اعتبارنا أننا نعيش في الشرق الأوسط، أي صراعات وهزات سياسية، من شأنها تفاقم ضعف النساء، وفقدان سبل العيش، وتقييد الحريات، وأعباء صعبة للغاية. لكن المرأة الكردية لا تزال تناضل وتحاول كما المرأة الفلسطينية من أجل مصلحتها ومصلحة مجتمعها وأسرتها.