المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

ندوة لمبادرة “نون” .. تجاهل حق الأمل للقائد آبو استمرار للمؤامرة الدولية والغطرسة القومية

16

أكد سياسيون ومثقفون وناشطون، في ندوة عبر زووم، ضرورة الضغط على تركيا للالتزام بحق الأمل للقائد عبدالله أوجلان، نظراً لما يتمتع به من رمزية عالمية.

في حياة الشعوب ثمة رموز تتجاوز حدود المكان والزمان، لتغدو عنواناً للأمل والإصرار على الكرامة. القائد عبدالله أوجلان ليس مجرد قائد سياسي مسجون، بل ضمير حيّ يرفض الانكسار، ورمز لفكرة لا تُسجن مهما ضاقت الزنازين. وفي حقه بالأمل يكمن حق شعب بأكمله، بل شعوب، وفي معركته من أجل الحرية تتجلى إرادة إنسانية عابرة للحدود.

في هذا السياق، نظمت مبادرة نون لحرية أوجلان، مساء يوم السبت 23 أغسطس/آب، ندوة عبر الفضاء الإلكتروني بعنوان “العدالة المؤجلة: المحكمة الأوروبية وحق الأمل لأوجلان”، تناولت أبعاد قضية القائد آبو من منظور حقوقي وسياسي وفكري، ومناقشة حول استمرار السلطات التركية في عدم تطبيق حق الأمل له بما يتماشى مع كافة القوانين ذات الصلة.

أدارت الندوة الكاتبة والصحفية رجاء حميد رشيد، فيما شارك في النقاش كل من: السيدة آمنة خضرو، ممثلة المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله أوجلان، والمحامي المصري أحمد رجب، عضو اتحاد المحامين العرب، والدكتور مختار غباشي، الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية بالقاهرة، إلى جانب حضور لعدد من المثقفين والسياسيين، مثل أسعد العبادي المحلل السياسي العراقي، وسوسن شومان المتحدثة باسم مبادرة نون، وأمينة عمر عضو منسقية المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، ومريم الإبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة الشؤون الاجتماعية لشمال وشرق سوريا، والدكتورة فرناز عطية الباحثة السياسية المصرية، وغيرهم.

اختبار لمبادئ العدالة الدولية

حملت كلمات المتحدثين بين طياتها تأكيدات على أن قضية القائد تمثل اختباراً حقيقياً لمبادئ العدالة الدولية، لاسيما مع موقف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من ملف عزلة القائد وحقه في الأمل، مشددين على أن استمرار عزلته يشكل انتهاكاً للقوانين الدولية ومعايير حقوق الإنسان، داعين إلى تحرك عاجل من المؤسسات الحقوقية لإنهاء هذا الوضع، وكذلك من قبل الحركات الشعبية باعتبار أن الرهان الأكبر يكون عليها.

وقد أكد كافة المشاركين مكانة عبدالله أوجلان الفكرية والسياسية، والدور الذي لعبه في إلهام الحركات الديمقراطية والاجتماعية في المنطقة، معتبرين أن حقه في الحرية ليس شأناً فردياً، بل قضية إنسانية تتصل بمصير الشعوب التواقة إلى الحرية، كما أن قضيته ليست قضية الشعب الكردي وحده، بل قضية كثير من شعوب العالم والمنطقة.

استمرار للمؤامرة الدولية

كانت الكلمة الأولى في الندوة للسيدة/ آمنة خضرو، ممثلة المبادرة السورية لحرية القائد أوجلان، والتي أكدت أن استمرار السلطات التركية في حالة التعتيم على القائد والإصرار على عزلته وتجاهل حقه في الأمل، وكذلك القضية الكردية، يأتي في إطار مواصلة تلك السلطات للمؤامرة الدولية التي أفضت قبل أكثر من عقدين ونصف إلى أسر القائد ووضعه في سجن إمرالي.

وشددت على أن النظام التركي أيقن أن قضية عبدالله أوجلان لم تعد تعني الشعب الكردي فقط، بل الملايين في العالم، الذين يطالبون بحرية القائد، مضيفة أن السلطات التركية كسلطة قومية عملت على ممارسة الهيمنة على المكونات والشعوب التي تعيش على أرضها، لكنها الآن في مأزق وإحراج. ففي المقابل أطلق القائد آبو نداء السلام والمجتمع الديمقراطي فأحيا الشعب الكردي وقضيته، وهو من طرح من قبل مشروع الأمة الديمقراطية، ولهذا بات يمثل إرادة كافة شعوب المنطقة والعالم من خلال أطروحاته.

وقالت آمنة خضرو إن سجن إمرالي كان بوابة وجسراً لأفكار وأطروحات القائد، فسنوات العزلة والتجريد كان هدفها منع انتشار أفكار عبدالله أوجلان للشعوب ولمؤيدي القضية الكردية، لكن ما حدث هو العكس، وقد حظت خطوة القائد كذلك نحو السلام بدعم واسع للتوصل إلى حلول ديمقراطية، ومن ثم سقطت “الشماعة” التي كان يستخدمها النظام بأن حزب العمال الكردستاني يمارس الإرهاب، بعد أن وجه القائد بحل الحزب، وقد استجاب بالفعل من خلال مجموعة السلام بإتلاف السلاح.

وشددت على أن استمرار وضع القائد الحالي يعبر عن استمرار الدولة القومية في فرض غطرستها، مشيرة إلى أن حق الأمل هو حق للقائد أقره القانون الدولي، وانقطاع حق الأمل عنه انقطاع للحق في الحياة، وهذه جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي، كما أكدت أن الرهان الآن هو على الشعوب والتحركات الشعبية من أجل حرية القائد، وليس على الدول التي لا تسعى إلا إلى تحقيق مصالحها.

الحاجة للضغط الشعبي

بدوره، تحدث أحمد رجب عضو اتحاد المحامين العرب، عن آليات تصعيد الضغوط الدولية على الدولة التركية من أجل دفعها للإقرار بحق القائد في الأمل، وأكد في بداية حديثه أن قضية القائد عبدالله أوجلان قضية كل الشعب الكردي وكل أحرار العالم، وهي شاهد على مظلومية تاريخية كبيرة، مضيفاً أنه “لذلك كل أحرار العالم يسعون للمساعدة في إيجاد حل لإنهاء عزلة القائد وكذلك حقه في الأمل”.

ولفت المحامي المصري في هذا السياق إلى أنه يمكن اللجوء مرة أخرى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن تركيا عضو فيها، لتضعط على أنقرة ليتمتع عبدالله أوجلان بحق الأمل، لكنه يرى أنه في ظل إصرار النظام التركي على مخالفة القوانين ذات الصلة، بل وتطبيق إجراءات استثنائية على القائد عكس ما تنص عليه القوانين التركية ذاتها، فإنه يمكن التعويل هنا على الضغوط الشعبية؛ لتحقيق رأي عام دولي شعبي يضغط على الحكومات من أجل الوصول إلى حق الأمل.

أبعاد سياسية وليست قانونية

فيما ركز الدكتور مختار غباشي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية في كلمته على الأبعاد السياسية لعزلة القائد عبدالله أوجلان وحقه في الأمل، إذ قال إننا نتحدث عن قضية قانونية بصبغة سياسية؛ فمحاكمة عبدالله أوجلان لم تكن قانونية بحتة لكن كانت قانونية بصبغة سياسية، كونه يمثل آمال الشعب الكردي ليس فقط على المستوى التركي، بل في سوريا والعراق وإيران. وقد تحول إلى أيقونة فهو مانديلا الكرد، في إشارة إلى التشابه بينه وبين الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا.

ولفت إلى أنه منذ البداية فإن عملية اعتقال عبدالله أوجلان ليست عملية طبيعية، بل شاركت فيها أطراف عديدة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، وبتواطؤ من قوى إقليمية ودولية مثل روسيا واليونان وكينيا البلد التي كان فيها، وحتى ظروف السجن في إمرالي نفسها جعلته يتحول إلى ثكنة عسكرية محظور الاقتراب منها، كما أن الطريقة التي تم التعامل بها مع عبدالله أوجلان كان بها من القيود ما لم يفرض على إنسان.

ويرى الدكتور مختار غباشي في ضوء ما سبق أن إنهاء عزلة القائد وإعطائه حق الأمل لن يحدثا إلا بقرار سياسي، وفي إطار العملية السياسية الجارية حالياً، مشدداً على عدم التعويل على الإجراءات القانونية والتي لن يكون لها أي استجابة، مؤكداً ضرورة الإفراج عن القائد آبو لأنه وحده القادر على إدارة العملية والتفاوض مع الحكومة التركية في إطار حل القضية الكردية، مشيراً إلى أنه كان من الطبيعي أن تقابل السلطات ما قام به آبو بالإفراج عنه إذا كانت تريد مرحلة انفتاح جديدة.

مهلة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان

 استقبلت الندوة مشاركات من بعض الحضور، منهم سوسن شومان الناطقة باسم مبادرة نون لحرية أوجلان، إذ أكدت أن تركيا ملتزمة بالاتفاقية الدولية لحقوق السجناء، ورغم أن إلزامية هذه الاتفاقية تفوق إلزامية الدستور التركي نفسه إلا أن أنقرة لا تنفذ ما تنص عليه بشأن حقوق السجناء، كما أنها عضو في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وملتزمة باتفاقيتها والتي أصدرت توصيات بشأن حق الأمل للمحكومين بالمؤبد، ومنحت الجانب التركي مهملة حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل لتسوية الوضع.

ومن هنا ترى سوسن شومان أنه يمكن الاستفادة من أمرين رئيسيين أولهما: نداء السلام والمجتمع الديمقراطي الذي أطلقه القائد عبدالله أوجلان، وما آل إليه فيما يتعلق بإعلان حل حزب العمال الكردستاني وفعالية إتلاف سلاحه الرمزية، والأمر الثاني الذي يمكن البناء عليه المهلة المعطاة من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مشددة على أنه يجب العمل على ذلك لبناء حجة قانونية أمام المحكمة لتنفيذ القرار الصادر عنها.

تناقضات الديمقراطيات الغربية

أيضاً من بين المشاركين أسعد العبادي المحلل السياسي العراقي والذي اعتبر أن استمرار عزلة القائد آبو وعدم تمتعه بالحق في الأمل أمر يكشف عن التناقضات في الخطاب الغربي الأوروبي الأمريكي التركي بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية، وقال إنه كمواطن مما وصفها بـ”دول العالم الثالث” كان منبهراً بتلك الأنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، لكن كل شيء تغير بالنسبة له بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وما تلاها من تداعيات في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.

وأضاف أن هذا التناقض يتضح من خلال القضيتين الكردية والفلسطينية، وبالنسبة للأولى فإن أنقرة التي كانت تدعي الديمقراطية وتسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي، ومن المفترض أن عليها التزامات ما في مجال حقوق الإنسان تتماشى مع تلك المساع، إلا أن مسألة عزلة عبدالله أوجلان وحقه في الأمل لم تأخذ صدى واسعاً، وسط حالة صمت رهيب من قبل دول كنا نراها ديمقراطية، مؤكداً أن تلك الدول – وخاصة أوروبا – يبدو أنها تكيل بمكيالين، ومن ثم فإن أوروبا والأنظمة الغربية في ورطة أمام الرأي العام العالمي فيما يخص وضع القائد، مؤكداً أن الرهان هو على التحركات الشعبية.

بطء النظام التركي

مشاركة أخرى في الندوة كانت من قبل السيدة/ أمينة عمر عضو منسقية المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا والتي أكدت أن تركيا تتنصل من القانون بدليل العدد الكبير ممن يتم انتهاك حقوقهم في السجون التركية، مشيرة إلى أن لجنة مناهضة التعذيب لم تستطع الضغط على النظام التركي، ولذلك ترى أنه لا يجب أن نعول على أنقرة في تنفيذ هذه القوانين، ولا حتى على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولا على الاتحاد الأوروبي.

وشددت على أن ما يجب التركيز عليه فيما يتعلق بحق القائد آبو في الأمل هي التسوية السياسية التي طرحها عبر نداء السلام؛ فأنقرة تريد تنفيذ التسوية ثم بعد ذلك يتم النظر في وضع القائد، وتتحجج بأن حياته ستكون في خطر إذا خرج من إمرالي، كما أنه رغم خطوات حزب العمال الكردستاني فإن خطوات النظام في المقابل كانت بطيئة للغاية، بل وحتى اللجنة البرلمانية عندما تشكلت كان ذلك بعد وقت طويل.

حق يجب أن انتزاعه

فيما قالت مريم الإبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة الشؤون الاجتماعية لشمال وشرق سوريا مريم إنه لم تعد هناك أي حجة للإبقاء على القائد عبدالله أوجلان في السجن وأن سجنه منذ البداية كان جريمة ضد الإنسانية جمعاء، وشددت على أن قضيته ليست قضية الشعب الكردي فقط، بل كل الشعوب والمكونات، مشيرة في هذا السياق إلى أنها من المكون العربي.

أما المشاركة الأخيرة، فكانت للدكتورة فرناز عطية وهي باحث وكاتبة سياسية مصرية، والتي قالت إن القائد آبو تجاوز 25 عاماً في المعتقل وعاش الحبس الانفرادي والعزلة المطبقة، مضيفة أنه بما أن تركيا لا تلتزم بالقانون فإن حق القائد في الأمل يجب انتزاعه.

وأوضحت أن انتزاع حق القائد في الأمل يمكن أن يحدث عبر تشكيل تكتل شعبي كبير، وخاصة من المكون الكردي، لا سيما في الدول الأوروبية للدفاع عن قضية القائد عبدالله أوجلان، وعن القضية الكردية بشكل عام، حتى يكوّنوا قوة ضاغطة تجبر تركيا على الامتثال للقانون والمطالب الشرعية للشعب الكردي.