مضمون رسائل نسائية من الشرق الأوسط إلى القائد عبد الله أوجلان
عبّرت نساء من بلدان الشرق الأوسط، عبر رسائل وجّهنها إلى القائد عبد الله أوجلان، عن تقديرهن لأفكاره التحررية، لا سيما المتعلقة بمكانة المرأة، وتطرّقن إلى أوضاع التهميش والإقصاء التي تعانيها المرأة في مجتمعاتهن، مؤكدات أن طرح القائد لقضية تحرر المرأة كأولوية يشكّل دعماً معنوياً في نضالهن من أجل الكرامة والمساواة.

نشرت وكالة أنباء المرأة (NÛJINHA)، اليوم، قسماً جديداً من الرسائل التي وجّهتها نساء من مصر، واليمن إلى القائد عبد الله أوجلان، تعبيراً عن تضامنهن ودعماً لمسيرته الفكرية والنضالية.
ومن بين الرسائل، برزت رسالة المحامية المصرية ماجدة فتحي رشوان، التي أكدت في كلماتها تقديرها العميق لنضال القائد عبد الله أوجلان، وكتبت: “إلى القائد عبد الله أوجلان، في عزلتك الطويلة، حيث يُحاصَر الجسد لكن لا يُسجن الفكر، أبعث إليك هذه الكلمات محمّلة بروح التقدير والوفاء، وبدفء الاحترام العميق لنضالك المستمر في سبيل الحرية، والكرامة، والعدالة لكل من سُلبت منه حقوقه، ولكل من يسعى إلى مستقبل تسكنه الإنسانية الحقة.
لقد تجاوز صوتك جدران السجن، وتجاوز صمت الجدران ليصير فكرة تلهم وتوقظ.
رغم العزلة، ظللتَ نبضاً في قلوب الكثيرين، ليس فقط في كردستان، بل في ضمائر كل من ينشد الحرية ويفهم أن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على الاعتراف المتبادل، والكرامة، والحوار العادل.
نعلم أن الطريق الذي اخترته ليس سهلاً، وأن ثمن الكلمة الحرة في عالم مضطرب قد يكون القيد، لكنك أثبتّ أن الفكرة لا تُهزَم وإن سُجنت. نتابع كلماتك من خلف القضبان، ونشهد كيف أصبحت مدرسة في الصمود، في فهم الحرية لا كصرخة غضب، بل كفكر نقدي وبديل إنساني عميق.
دعائي أن يطلق سراحك يوماً، وأن تُفتح نافذة الضوء أمامك من جديد، ليعود الحوار، ولتُستكمل خطوات السلام الحقيقي. ولتعلم أن كثيرين في هذا العالم، من مختلف الشعوب، يقرؤونك، يتأملون في أطروحاتك، ويتعلمون من صبرك وصلابتك. دمت ثابتاً على مبادئك، ودامت كلمتك”.
“وجدت في جنولوجيا مفتاحاً لذاتي وتاريخي”
بينما سلطت الصحفية والإعلامية اليمنية ماجدة حمود طالب، الضوء على جنولوجيا وماهية هذا العلم في كشف حقيقة المرأة وتاريخها، وذلك في نص رسالتها، جاء فيه ما يلي:
“إلى من أعاد تعريف المعرفة، وجعل من المرأة أصلاً للفكر لا فرعاً تابعاً، إلى من كتب عنّا جميعاً، لا من مسافة، بل من عمق الجرح الإنساني ذاته.
أكتب إليك هذه الكلمات كامرأة يمنية، وجدت في جنولوجيا (علم المرأة) مفتاحاً لفهم ذاتها وتاريخها، وصوتاً نقياً في زمن اختلطت فيه الحقيقة بالدعاية، والحرية بالضجيج.
حين قرأت ما كتبته في فلسفة جنولوجيا، شعرت وكأنك تكشف ما طُمر طويلاً تحت ركام القمع، وما صُمّت عنه الآذان في بلادٍ كانت مهداً للملكات، ثم تحوّلت إلى مسرح لتهميش النساء، وطمس أدوارهن، واختزالهن في صور ووساطات تخدم الأطراف المتنازعة في صراعات لا تنتهي.
في اليمن، لا تزال المرأة تُقصى من مراكز القرار، وتُزاح عن مواقع التأثير، ويُستدعى حضورها فقط لتجميل واجهات حزبية أو تسويق شعارات دولية. أما الصوت المستقل، الحر، الصادق، فيُترك في الهامش، يعاني من أسوأ الظروف المعيشية وغياب الحماية، ويُهاجم أو يُعزل، لأنه يخرج عن قوالب الخضوع ويطالب بمجتمع ديمقراطي عادل.
أنا أنتمي إلى أرض وُلدت فيها بلقيس وأروى وغيرهن من الملكات، لكن التاريخ الرسمي تعمّد تغييبهن. نُربّى اليوم في ثقافة تمحو من الذاكرة أسماءهن وإنجازاتهن، وتُبقي لنا صوراً باهتة عن الطاعة والهامش والخدمة.
نعيش بين سندان الحرب والنزوح واللجوء، ومطرقة التسلط اليومي، لا نعاني فقط من أعباء الحياة، بل من القريب، من بنى ثقافية واجتماعية قررت أن تُقصي المرأة لا لعجز فيها، بل لأنها قادرة على زعزعة التوازن القائم، وتحريك المياه الراكدة، وبناء صوت للسلام، ومطلب حقيقي للمشاركة والعدالة.
هل تعلم أيها القائد أن اليمن لم تشهد منذ عقود وجوداً فعلياً للنساء في البرلمان؟ وإن وُجدت امرأة أو اثنتان، فهي استثناء لا يعكس الواقع. هل تعلم أن أصوات النساء من كل المحافظات تصرخ اليوم لا لتطلب امتيازات، بل فقط لتعيش بكرامة، بعد أن كنّ أصواتاً للسلام وصناعة القرار، صرْنَ مشغولات فقط بكيفية البقاء على قيد الحياة؟
المرأة اليمنية لا تزال تقاوم، من أجل الوجود، من أجل الحب، من أجل السلام، من أجل ولادة يمن جديد بعد أن التهمته الحروب، وأفسده الفساد، وحاصرته الذكورية في صراع السلطة، حتى غابت المرأة عن المشهد، وغاب معها جوهر اليمن الطبيعي، اليمن الذي كان سعيداً، وها هو اليوم حزينٌ بصمتها.
قرأت جنولوجيا كمن يقرأ شهادة ولادته من جديد، وأدركت أن تحرر المرأة ليس ترفاً، بل ضرورة لبناء حياة عادلة ومجتمع متين، يليق بتاريخنا ويصون إنسانيتنا.
أدركت أن الخطاب النسائي الحقيقي لا ينطلق من تكرار القوة، بل من إعادة المعنى، من لغة لا تُقصي، لا تُخدّر، بل تكشف وتبني وتعيد للحياة جذورها.
شكراً لك من قلبي، لأنك منحتني هذا النور بعد أن كدت أُطفأ، ولأنك كتبت من داخل التجربة، لا من خارجها، وآمنت أن تحرير المرأة هو بداية لتحرير المجتمع، لا قضية جانبية في صراع المصالح”.
“الفكر الحر لا يُسجن، ومن يزرع الوعي لا يمكن عزله”
بينما قالت الاستشارية في وزارة الثقافة المصرية والباحثة في الشأن العربي والشرق الأوسطي، عزة محمود علي حسن: “من قلب امرأة عربية، مصرية، أكتب إليك هذه الكلمات، اليوم، وأنا من أرض الكنانة “مصر” التي كانت عبر التاريخ مهداً للحضارة وموطناً لكفاح المرأة، وقد حملتني التجربة، والوعي، والأمل، ودفعتني قراءتي لفكرك الإنساني العميق وتأملاتك الفلسفية بشأن تحرر الإنسان – والمرأة تحديداً – إلى أن أبعث إليك بهذه الرسالة التي تحمل مشاعر التقدير والإجلال، بصوت نساء كثيرات وجدن في كلماتك معنى الحرية”.
وأضافت في رسالتها: “لم أكن أعرفك إلا اسماً في الأخبار، لكنني حين قرأت فكرك، وفهمت فلسفتك عن المرأة، شعرت بأن هناك من رأى الحقيقة كما نعيشها، ومن حلم لنا، ومعنا، كنت ذلك الرجل الذي لم يبحث عن سلطة على النساء، بل عن حريتهن، لأنك آمنت أن تحرر المجتمع يبدأ من تحرر المرأة، لا من خطابات فارغة، بل من جذور العلاقة بين الجنسين، من التاريخ، من الميثولوجيا، من السلطة التي تتغذى على الذكورية والعنف.
لقد وجدت في مشروعك الفكري والسياسي – رغم ظروف السجن والعزلة – صوتاً مختلفاً عن السائد، وموقفاً صادقاً من قضايا المرأة، ليس بوصفها هامشاً في المجتمع أو قضية ثانوية، بل بكونها جوهراً في فهم السُلطة، والتاريخ، والتحرر.
لقد استوقفني كثيراً وصفك المرأة بأنها “أول مستعمرة في التاريخ” ورأيت في كلماتك جرأة فكرية وشجاعة أخلاقية نفتقدها كثيراً في طروحات الحركات السياسية الكلاسيكية؛ التي طالما تجاهلت موقع المرأة الحقيقي أو اختزلته في أدوار سطحية.
كامرأة عربية، أتابع من كثب كيف ألهمت آلاف النساء الكرديات، بل ونساء من شعوبٍ أخرى، في تجاوز الخوف، وبناء الذات، والمشاركة في صنع القرار، لا بوصفهن تابعات، بل شريكات في مشروع تحرري شامل.
لقد عبّرت كتاباتك من محبسك عن أفق يتجاوز الجدران، وأظهرت أن الفكر الحر لا يُسجن، وأن من يزرع الوعي لا يمكن عزله عن حركة التاريخ، ومن سجنك وجدت حرية لم نجدها في بلاد حرة، كتبتَ عن الحب، الجمال، الثورة، ووضعت المرأة في مركز الاهتمام، ليست فقط كرمز؛ ولكن ككائن كامل شريك في الفعل والمصير، تجربتك مع رفيقات دربك من النساء؛ اللواتي تحولن من مهمشات إلى قياديات، علمتنا أن الثورة ليست فقط بندقية، بل وعي، وفكر، وإعادة خلقْ.
وإني من موقعي كامرأة وباحثة في مجال الوثائق والتاريخ والثقافة، وككاتبة وشاعرة مصرية، أود أن أقول إن هناك نساء عربيات، من مصر وبلاد الشام والمغرب العربي، وجدن في فكر “عبد الله أوجلان” نبضاً جديداً، ومنهجاً يستحق التأمل والتبني.
في زمن تتكاثر فيه أشكال العنف، والتهميش، والاستلاب، نحتاج إلى رؤى فلسفية نابعة من التجربة الإنسانية العميقة، تقاوم الظلم بالمعرفة، وتواجه الطغيان بالإرادة، وقد كنت ولا زلت رغم السجن، رمزاً لتلك الإرادة الحرة التي لا تنكسر، وقدوة في تحويل الألم إلى مشروع فكري وإنساني متجدد.
أعلم أن العزلة قاسية، وأن الجدران صمَّاء لكن كلماتك عبرت ووصلت لجميع النساء، اسأل الله أن يثبتك، ويمنحك القوة، وأن يقيض لفكرك أن يبلغ مساحات أوسع في وطننا العربي؛ الذي ما أحوجه اليوم إلى نماذج فكرية صادقة، ترى في الإنسان قيمة عُليا، وفي المرأة طريقاً حقيقياً للحرية، والعدالة، والسلام. دُمت صوتاً للحرية ووجهاً لثورة لا تموت”.