سوسن شومان: صوت أوجلان يخرج من العزلة ليتجاوز الحدود… مشروعه تحرري لا سلطوي
أكدت سوسن شومان أن نداء أوجلان ليس مجرد موقف رمزي، بل يمثل مشروعاً فكرياً تحررياً يعرّي جوهر الدولة القومية ويهدد بنيتها السلطوية، مشيرة إلى أن النساء في الحملة لا يقدمن دعماً رمزياً فحسب، بل يخضن فعلاً سياسياً جذرياً في مواجهة القمع والهيمنة الذكورية.

تحدثت لوكالة فرات للأنباء، سوسن شومان المتحدثة باسم “مبادرة نون” والمشاركة في حملة “أريد أن ألتقي بـ أوجلان”، قائلة: “نداء أوجلان اليوم يحمل صفة “تاريخية” لأنه لا يخرج من موقع قوة رسمية أو منبر سلطوي، بل من عزلة فرضت عليه لأكثر من عقدين، ومن زنزانة صُممت خصيصاً لعزله فكريًا وسياسياً. في زمن تتحوّل فيه الأصوات إلى صدى باهت للسلطات، يأتي صوت أوجلان متجاوزاً العزلة الجغرافية ليخاطب العالم بلغة الحرية المتجاوزة للحدود. نداءه يقطع مع المألوف، لأنه لا يطلب السلطة بل يطالب بتحرير المجتمع من بنيته السلطوية.
إنه تاريخي لأنه نداء من رجل لم يُسكت رغم محاولات قتله الرمزية، نداء يحمل مشروعاً فكرياً يؤمن بإمكانية بناء مجتمع جديد، يتجاوز حدود الدولة القومية، ويعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية وللجماعية البشرية. في زمن يتم فيه تفريغ الكلمات من معناها، نداء أوجلان يعيد للحرية قيمتها الجوهرية”.
وأضافت: “الدولة القومية، كما نشأت وتطورت، لا تستوعب الاختلاف، بل تنسجه في ماكينة التجانس. مشروع أوجلان يصطدم بجوهرها لأنه يعرّي بنيتها المبنية على الإقصاء والحدود والقمع باسم السيادة. مشروعه يقوم على اللامركزية، الديمقراطية القاعدية، وعلى تمكين المجتمعات المحلية، وهذا يهدد تسلّط الدولة المركزية واحتكارها للقرار والعنف الرمزي والمادي.
في حين لا تتحمل الدولة القومية نموذجًا يُفكك أُسُسها: السيادة المطلقة، الذكورية الممأسسة، الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي. وبالتالي، مشروع أوجلان لا يُعد إصلاحاً للنظام، بل بديلاً جذرياً له. ولهذا، تحاربه كل الأنظمة التي تخشى من يقظة القواعد”.
وتابعت سوسن: “تحرير أوجلان هو أكثر من قضية فردية أو إنسانية؛ إنه اختبار لقدرة شعوب المنطقة على كسر أنظمة القمع المركبة: قمع داخلي من أنظمة استبدادية، وقمع خارجي من استعمار معاصر، إذ أصبح أوجلان رمزاً لحركة تحرر شامل، فكرياً وثقافياً وسياسياً.
تحريره يعني انتصار الفكر على السجن، ويعني كسر الصمت المفروض علينا. كثيرون لا يدركون أن عزله ليس خوفاً من سلاحه، بل من كتاباته، من قدرته على إلهام الوعي الجماعي وإعادة تشكيل سؤال: من نحن؟ وماذا نريد؟”
وفيما يخص مسألة بناء السلام، قالت سوسن شومان: “أي حديث عن السلام دون الاعتراف بأوجلان هو كمن يبني بيتاً على رمال متحركة. لا يمكن صناعة سلام حقيقي دون الاعتراف بالوجود السياسي والفكري للطرف الذي تحاربه كل المنظومات لأنه يرفض أن يكون تابعاً، أوجلان لا يطالب باستسلام، بل بإعادة بناء العلاقة بين المكونات على أساس العدالة. فكره يضع الإنسان، كل إنسان، في قلب السياسة، وهذا ما يُرعب السلطة. الاعتراف بأوجلان ليس فقط اعترافاً بشخص، بل باعتراف بضرورة التحول الجذري في بنية الدولة والمجتمع معاً”.
وعن دور النساء في الحملة، أوضحت سوسن أن النساء في هذه الحملة لا يُرددن شعارات، بل يُمارسن الفعل السياسي من موقع الوعي والرفض. هذه الحملة ليست لحظة تضامن عابرة، بل امتداد طبيعي لنضال نسوي كُتب بالدم والمعرفة.
حيث منح أوجلان النساء موقعاً مركزياً في مشروعه التحرري، ليس كزينة للثورة، بل كركيزة لها. لذلك، انخراط النساء في الحملة ليس دعماً رمزياً بل إعلاناً بأن تحرر الشعوب يبدأ من تفكيك النظام الأبوي السياسي. النساء لا يطالبن فقط بحرية أوجلان، بل بحرية أنفسهن من كل أشكال القهر”.
وعن من يصف الحملة بورقة ضغط سياسية فقط، قالت سوسن: “هؤلاء لم يقرأوا أوجلان، ولم يفهموا أن كل فكرة محرّرة تُرعب المنظومة أكثر من أي سلاح. الحملة ليست تكتيكاً سياسياً، بل فضاء لكسر الصمت، وتذكير العالم بأن هناك إنساناً يُعاقب لأنه يفكر خارج المسموح.
من يخاف من الحملة، لا يخاف منها كأداة ضغط، بل كحركة وعي. الحملة تكشف من معنا ومن يختبئ خلف الأقنعة. إنها اختبار لضمير العالم، ولجرأة المجتمعات على تحدي السائد”.
واختتمت سوسن تصريحها لوكالة فرات للأنباء بقولها: “لو أُتيحت لي فرصة لقاء أوجلان، لسألته: هل يمكن للمجتمع أن يتحرر حقًا إذا لم يتحرر أفراده من الخوف الكامن في داخلهم؟ لأن كل مشروع تحرري يبدأ من الداخل. أوجلان كتب كثيراً عن الذات، عن العلاقة بين الحرية الفردية والتحرر الجماعي. وأظن أن السؤال الحقيقي ليس فقط كيف نغيّر النظام، بل كيف نكسر القيود التي تربينا عليها داخلنا. لقاء أوجلان سيكون بالنسبة لي لحظة مواجهة مع هذا السؤال العميق: كيف نولد من جديد كأفراد قادرين على بناء عالم لا نخاف فيه من أنفسنا؟”