المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

“نداء السلام” في شمال كردستان .. دعم شعبي واسع لقرارات القائد آبو

15

دعم شعبي يتسع يوماً تلو الآخر لـ “نداء السلام” الذي أطلقه القائد أوجلان، وكذلك لقرارات حزب العمال الكردستاني التاريخية بحل هيكله التنظيمي، في إطار نضال ديمقراطي.

في تطور يعكس المزاج الشعبي الكردي في شمال كردستان، كشفت نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز دراسات اجتماعية محلي، أن نحو 70% من المواطنين في هذه المنطقة يدعمون بشكل واضح قرارات حزب العمال الكردستاني بحل هيكله التنظيمي ووقف أنشطته المسلحة، والتي جاءت استجابة للنداء التاريخي الذي أطلقه القائد والمفكر عبدالله أوجلان في 27 فبراير/ شباط الماضي.

وتشير هذه النتيجة إلى حالة الدعم الواسع في الشارع الكردي، الذي أبدى تأييده لخيار السلام والحل السياسي، والاصطفاف خلف رؤية القائد آبو؛ فبعد عقود من المواجهات المسلحة بين الحزب والدولة التركية، يبدو أن هناك رغبة شعبية حقيقية في طي صفحة النزاع، وفتح أفق جديدة تعتمد على الحوار والمشاركة في بناء مستقبل ديمقراطي مشترك.

دعم شعبي واسع للنهج السلمي

هذا الاستطلاع ليس رقماً عابراً، بل يحمل دلالات استراتيجية عميقة؛ فهو يعكس رغبة شعبية في تجاوز المعاناة الممتدة منذ عقود، والتي أرهقت المناطق الكردية وأثقلت كاهلها بالفقر والتهميش والإقصاء. إن دعم 70% من المواطنين لهذا التحول في مسار حزب العمال الكردستاني، يعكس استعداداً واضحاً للدخول في مرحلة جديدة من التعايش داخل تركيا، تقوم على أساس الاعتراف المتبادل والكرامة السياسية والثقافية.

كما أن هذا الدعم يُعد تزكية رمزية جديدة لفكر القائد عبدالله أوجلان، ونهجه السياسي القائم على مفهوم الأمة الديمقراطية، الذي يطرح بدائل حقيقية لبنية الدولة القومية التقليدية، وإبعادها عن التبعات السلبية التي أفرزتها الحداثة الرأسمالية، كما يقدم رؤية متقدمة للعيش المشترك بين الشعوب، ليس داخل تركيا فحسب، بل في كل المنطقة.

يقول سليمان جعفر السياسي الكردي، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه بعد 42 سنة من المعارك وسقوط حوالي 40 ألف قتيل من الطرفين الكردي والتركي كان لا بد من إنهاء الصراع وحقن الدماء، علماً أن القائد عبدالله أوجلان أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد منذ عام 1999 وحتى عام 2000 نحو 8 مرات، لم تكن تركيا تلتزم به.

وأضاف أن معظم أبناء جنوب وشرق الأناضول – وهم من الغالبية الكردية – عبروا عن سعادتهم لما طرحه القائد آبو الأسير؛ لأنه الطرح الوحيد الذي سيجلب الأمان والرخاء للشعب، مشيراً إلى أن (آبو) يعتمد على قاعدة نبذ التكرار؛ فكل عملية عسكرية من أي طرف كان هي تكرار لعملية سبقتها، وإذا كان الطرفان سيلتقيا يوماً ما فلماذا لا نتقرب من بعضنا ونسلك سبيل الحوار عبر أسلوب ديمقراطي، ينال كل مكون حقه وحصته في هذا البلد الذي هو بلد الجميع.

نداء أوجلان.. منطلق لبناء عقد اجتماعي جديد

إنه من الطبيعي أن يجد النداء الذي أطلقه القائد أوجلان في فبراير/شباط الماضي دعماً شعبياً؛ لم يكن مجرد دعوة سياسية بل رؤية فلسفية متكاملة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والشعوب داخل تركيا، وفي المنطقة ككل. ومن ثم فإن تجاوب المواطنين الكرد مع هذا النداء، يمثل تجديداً للثقة في هذا النهج، ويُحمّل الحكومة التركية مسؤولية أخلاقية وتاريخية كبيرة للرد بخطوات عملية مماثلة.

هنا يقول مصطفى صلاح الباحث في الشأن التركي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الدعوة التي أطلقها عبدالله أوجلان، في إطار وقف القتال من طرف واحد وبدء مرحلة جديدة من النضال الديمقراطي، لا يمكن أن تظل دون رد رسمي مسؤول؛ فالمطلوب اليوم من الدولة التركية أن تلتقط هذه المبادرة النادرة، وتتخذ قرارات شجاعة تفتح باب الحوار، وتُطلق سراح عبدالله أوجلان باعتباره حجر الأساس في أي عملية سلام جادة.

ويؤكد الباحث السياسي المصري أن انفتاح الدولة التركية على عملية السلام، مع حالة الدعم الشعبي لها في الأوساط السياسية التركية، من شأنه إعادة صياغة العلاقة في تركيا بين الدولة والمواطن الكردي، حيث أن استطلاعات الرأي تشير إلى رغبتهم في دخول عهد جديد، في إطار دولة تتسع للجميع، وتضمن لكافة المكونات حقوقهم، خاصة الحقوق الثقافية والاجتماعية، أو الحقوق المرتبطة بالهوية.

فرصة نادرة

ربما تكون هذه اللحظة فرصة نادرة وتاريخية لإنهاء الصراع الكردي التركي، وهي لحظة لن تطول كثيراً إذا لم تُستثمر؛ فالإجماع الشعبي الكردي، وتجاوب الرأي العام، يمثلان حافزاً سياسياً حقيقياً لإنهاء العنف وإرساء أسس العدالة الانتقالية. وإذا تجاهلت أنقرة هذه الرسائل، فإنها تهدر فرصة ثمينة لبناء تركيا جديدة تكون قادرة على تجاوز أزماتها الداخلية المتعددة.

في المحصلة، ما يجري اليوم من تغيرات في المزاج الشعبي، وحتى على مستوى بعض النخاب السياسية، يُحتم على الدولة التركية وقواها السياسية المختلفة أن تعيد النظر في سياساتها تجاه القضية الكردية، أما في حال استمرار المماطلة والرفض، فإن التاريخ لن يرحم من فوت على شعوب المنطقة لحظة نادرة لصنع السلام.