في ندوة بلبنان: الأمة الديمقراطية لـ “أوجلان” تقدم أفقاً واعداً لإعادة بناء الدولة
أزمات عديدة تعيشها شعوب ودول الشرق الأوسط، سواء ما يحيكه الخارج أو السقوط في فخ الصراع الداخلي، ومعها تتجه الأنظار دائماً إلى فلسفة الأمة الديمقراطية.

تحت عنوان “التحديات في الشرق الأوسط وتأثيرها على سوريا ولبنان”، أقامت الجمعية الثقافية للشعوب الديمقراطية في لبنان ندوة فكرية متميزة بمناسبة انطلاقتها، شارك فيها عدد من المثقفين والباحثين العرب، تناولوا خلالها التحديات البنيوية والمخاطر التوسعية التي تهدد المشرق العربي في ظل تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية وتراجع الأطر الوطنية الجامعة.
وحملت كلمات المشاركين في هذه الندوة تأكيدات واضحة على الحاجة الماسة لشعوب الشرق الأوسط إلى إطار جديد لبناء الدولة، أو فلسفة جديدة قادرة على انتشال دول مثل سوريا ولبنان من أزماتها العميقة، وهنا جاءت إشارات واضحة إلى فلسفة الأمة الديمقراطية للمفكر الأممي عبدالله أوجلان، بما تقدم من آفاق واعدة في سبيل إعادة بناء هذه الدول.
قواعد اللعبة تتطور
وفي كلمة استهلالية، أكد رئيس الجمعية الدكتور رائد المصري أن لبنان وسوريا وفلسطين، وربما المنطقة بأكملها، في مرحلة تحولات كبرى، نتيجة الأحداث الزلزالية التي شهدها عام 2023 و 2024 ، وتحديداً منذ سبتمبر/أيلول الماضي، مؤكداً على أنه من الأهمية بمكان إدراك حجم هذه التحولات وخطورتها، خاصة تأثيراتها الاستراتيجية والتاريخية.
وأضاف أن اليوم تتطوّر قواعد اللُّعبة والتوازنات في الإقليم، منذ سقوط النظام السوري السابق، والحرب الإسرائيلية الهمجية على لبنان وشعب غزة، فباتت تُطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل الأوضاع، لا سيما مع بروز العديد من المخاطر، التي تصبُّ في إطار ارتفاع أسهم الذهاب إلى التقسيم، من منطلق موقف مجموعة واسعة من المكونات الطائفية والعرقية من السلطة الجديدة في سوريا، ومن التحوُّلات والخناق المحكم على نظام الحكم في لبنان.
الخطر الأكبر
وافتتحت الندوة بمداخلة الكاتب السياسي اللبناني أمين قمورية، الذي تطرق إلى المشروع الإسرائيلي وأطماعه التوسعية، محذراً من خطورته على وحدة واستقرار المنطقة، ومؤكداً أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بما اغتصبه من الأرض، بل يسعى إلى تغيير خرائط النفوذ الجغرافي والديمغرافي لصالحه، مدعوماً بصمت دولي وتواطؤ إقليمي.
ولفت قمورية إلى أنه في هذا السياق من التحولات السريعة، يكمن الخطر الأكبر في الدور الإسرائيلي، حيث تسعى تل أبيب إلى تقديم نفسها حامية لكل المكونات في الإقليم، منوهاً إلى أن هذه المكونات التي تشعر بالقلق من توجهات السلطة الجديدة في سوريا، وما ستؤول إليه السلطة ونظام الحكم في لبنان، بالرغم من أن الجميع يدرك أن ما تبحث عنه تل أبيب، هو حماية مصالحها الأمنية، وتحقيق مصالحها التوسعية.
سياسات تركيا التوسعية
أما الدكتورة هدى رزق الباحثة المتخصصة في الشأن التركي والإقليمي، فسلطت الضوء على السياسات التوسعية للنظام التركي، موضحة كيف تتقاطع أطماعها في الجغرافيا السورية والعراقية مع خطاب عثماني جديد يسعى لفرض الهيمنة بلبوس ديني وقومي، مشددةً على ضرورة بناء استراتيجية عربية موحدة للتصدي لهذا التغلغل المتصاعد.
وتحدثت الدكتورة هدى رزق عن التنافس بين إسرائيل وتركيا في سوريا، إذ قالت إن أنقرة تتفوق على تل أبيب بعلاقتها المميزة بأحمد الشرع رئيس سوريا الجديد واصدقاءه، وهي علاقة قوية تعود الى بداية هيئة تحرير الشام، أي عندما كانت تحمل اسم “جبهة النصرة”، حيث عملت تركيا منذ بداية سقوط النظام على عقد اتفاقيات وحصلت على امتيازات من النظام الجديد في دمشق.
مفترق طرق
وفي مداخلة بعنوان “أمام مفترق الوعي: أفق جديد لمشرق مأزوم”، قدّم الكاتب والباحث إلهامي المليجي رؤية تحليلية عميقة لأزمات سوريا ولبنان، بوصفهما نموذجين لانهيار الدولة الوطنية تحت وطأة التصدعات الداخلية والضغوط الخارجية، مع غياب المشروع العربي الجامع، وتصاعد المشاريع التفكيكية الطائفية والإثنية.
وتناول المليجي فشل النماذج السلطوية في إدارة التنوع، مؤكداً أن غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية عمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع، وفتح الباب لتدخلات خارجية مدمّرة، مشيراً إلى أن أخطر ما يهدد الأوطان ليس الاحتلال فحسب، بل التحلل البطيء لفكرة الدولة كعقد اجتماعي يربط بين المواطن والسلطة.
الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية
وطرح المليجي رؤية بديلة من خلال استحضار نظرية الأمة الديمقراطية كما بلورها المفكر الكردي عبدالله أوجلان، معتبراً أنها تقدم أفقاً واعداً لإعادة بناء الدولة من القاعدة، على أسس الاعتراف بالتنوع، والشراكة، والتنظيم الذاتي، بما يضمن وحدة المجتمعات لا تفتيتها. كما أشار إلى أن تجربة الإدارات الذاتية في شمال وشرق سوريا تمثل ترجمة واقعية لهذه الرؤية، رغم كل التحديات والحصار المفروض عليها.
واختتم المليجي مداخلته بالتأكيد أن “الرهان لم يعد فقط على موازين القوى، بل على موازين الوعي”، داعياً إلى وعي يرفض الاستبداد كما يرفض التفتيت، ويدرك أن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، من رحم الأزمات، حين نواجه الحقيقة بشجاعة لا بالهروب منها.