المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

القائد: خيانة الحياة فرضت على المرأة لهذا نحن بحاجة لثورة نسائية

59

أكد القائد عبدالله أوجلان في تقييماته التي تناولت العديد من القضايا ومنها قضية المرأة في الشرق الأوسط، بأن الراهن المعاش بحاجة لثورة نسائية ثانية لأن ما فرض عليها كان “خيانة الحياة”.

القائد: خيانة الحياة فرضت على المرأة لهذا نحن بحاجة لثورة نسائية

قيّم القائد عبدالله أوجلان خلال المجلد الرابع (أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشــــــرق الأوســــــــط) من مانيفستو الحضارة الديمقراطية أهمية ثورة المرأة في الشرق الأوسط لأن ما فرض على المرأة كان خيانة للحياة. بمناسبة قرب حلول 8 آذار اليوم العالمي للمرأة، ننشر قسم من تقييماته التي كانت على الشكل التالي:

” قضية المرأة والسلالة والأسرة والسكان، وثورة المرأة في الشرق الأوسط:

واحَيفَتاه على المرأةِ التي تحوَّلت في يومِنا إلى أَرخَصِ السلعِ في الشرقِ الأوسط، بعدَما تَمَكَّنَت من خلالِ هويتِها المجتمعيةِ الرائعةِ من أنْ تَجعلَ نفسَها خليقةً بدورِ الإلهةِ الأمِّ في فجرِ التاريخ. نحن نفتقرُ لإمكانيةِ الشرحِ اللازمِ لتاريخِها هذا، الذي ينبغي أنْ يَكُونَ قصتَها المأساويةَ القائمةَ بذاتِها. لكننا نستطيعُ انتقادَ نتائجِه. ذلك أنّ كشفَ النقابِ عن حقيقةِ المرأة، وتَبديدَ سحاباتِ الضبابِ التي أحاطَتها بها يدُ الإنسان، هو من أُولى المهامِّ الاجتماعيةِ العاجلة.

قضية تفكك المجتمع نابعة من تفكك المجتمع الأمومي

عليَّ التبيانُ بمنتهى الصراحةِ أني أَجِدُ تحليلاتِ الجنسويةِ الاجتماعيةِ وضعية. ولا أعتَقِدُ بإمكانيةِ تحليلِنا للمرأةِ بالمقارباتِ الموضوعانيةِ الفظة. خاصةً وأننا نَجهَلُ رموزِ العبوديةِ المُرَسَّخةِ في المرأة. إني على قناعةٍ بأنّه ثمة تَدَنُّسٌ وانغماسٌ زائدٌ في عقليةِ القضيبِ– المهبَل، وأنّ هذه العقليةَ تَشلُّ مهاراتِ الإنسانِ الأخرى. والأمرُ اللافتُ للنظرِ في هذا السياق، هو أنّ ظاهرةَ الجِماعِ التي تتميزُ بوظيفةٍ قَيِّمةٍ وبفترةٍ بَيِّنةٍ وشكلٍ محدودٍ في عالَمِ النباتِ والحيوانِ أجمع، قد اتَّخَذَت لدى النوعِ البشريِّ حالةً هيوليةً لا حدود لها ولا ملامح ولا توقيت زمنيّ، وتتفسخُ فيها معالِمُ وظيفتِها إلى أقصاها. ومن المؤكَّدِ أنّ هذا دليلُ رعونةٍ وتَفَسُّخٍ اجتماعيِّ المنبع. أو بالأحرى، بالمقدورِ التبيان أنّها حالةٌ تَطَوَّرَت تزامُناً مع ولادةِ وتعميمِ القضيةِ الاجتماعية (القمع والاستغلال). من هنا، فالقدرةُ على تحديدِ كونِ قضيةِ المرأةِ من جميعِ مناحيها هي قضيةُ المجتمعِ الأوليةُ النابعةُ من تفكيكِ للمجتمعِ الأموميّ، إنما هي ضروريةٌ لصياغةِ تعريفٍ سليم.

بالإمكانِ رصد أنانيةِ الرجلِ وتَعَسُّفِه الجائرِ في موضوعِ المرأةِ كظاهرةٍ بَيِّنةٍ يومياً على مدارِ الساعة. كما أنّ قدرةَ الرجلِ من جميعِ الشرائحِ والطبقاتِ الاجتماعيةِ على قتلِ المرأة دونَ أنْ تَرِفَّ له عَينٌ أو يَأبَهَ بأيِّ ضابطٍ أخلاقيٍّ أو قاعدةٍ حقوقيّة؛ إنما هي واقعٌ يستحيلُ على كلِّ مَن له ضميرٌ أنْ يَغضَّ الطَّرْفَ عنه. وغالباً ما تُسلَكُ هذه المواقفُ الوحشيةُ باسمِ العشق. عِلماً أنه لدى تفسيرِ علاقةِ العشقِ بالحقيقةِ قليلاً أم كثيراً، فسيُدرَكُ فوراً أنّ هذا القولَ من أشدِّ أنواعِ الرياءِ انحطاطاً وسفالة. إذ ما من ذاتٍ فاعلةٍ تَكُونُ موضوعَ عشقٍ تَنعَكِفُ على العشقِ بممارسةٍ كهذه، لا في عالَمِ النباتِ ولا الحيوان، ولا حتى في العالَمِ الفيزيائيِّ الذي نُفَسِّرُه على أنه “جامد”. إذن، واضحٌ جلياً أنّ دوافعَ ومعاني هكذا جناياتٍ ملحوظةٍ لدى النوعِ البشريِّ مختلفةٌ للغاية، حتى لو لوحِظَت بعضُ حالاتِ الشذوذِ التي لا يَزالُ العجزُ سائداً في تحليلِ معناها ضمن تلك العوالِمِ المذكورة. أما عُرى هذه الجناياتِ وأواصرُها مع الحاكميةِ والاستغلال، فتتصدرُ الأمورَ التي ينبغي الإشارة إليها قبلَ كلِّ شيء.

السؤالُ الأساسيُّ الواجب طرحه في هذا المضمارِ هو: لماذا يصبحُ الرجلُ حَسوداً ومتحكِّماً وجانياً لهذه الدرجةِ بشأنِ المرأة، ولِمَ لا يتخلى عن العيشِ في وضعِ المغتَصِبِ لها والمعتدي عليها على مدارِ الساعةِ في اليوم؟ ما من ريبٍ في أنّ الاغتصاب والتَّحَكُّمَ مصطلحان مرتبطان بالاستغلالِ الاجتماعيّ. فهما يُعَبِّران عن الماهيةِ الاجتماعيةِ للمُجريات، وغالباً ما يُذَكِّران بالهرميةِ والبطرياركيّةِ والسلطة. أما معناهما الآخرُ الكامنُ في الأعماق، فهو تعبيرُه عن خيانةِ الحياة. لكنّ تَشَبُّثَ المرأةِ بالحياةِ من نواحي عديدة، بمقدورِه الكشف عن الموقفِ الجنسويِّ الاجتماعيِّ للرجل. فالجنسويةُ الاجتماعيةُ تُعَبِّرُ عن فناءِ غِنى الحياةِ تحت نِيرِ الجنسويةِ الاستهلاكية التي تتسببُ بالشلل، وما يتولدُ عنه من حقدٍ واغتصابٍ وموقفٍ تَحَكُّمِيّ. علاقةُ غريزةِ الجنسِ باستمرارِ الحياةِ واضحة. ولكن، يستحيلُ رصد أيِّ كائنٍ حيٍّ يتميزُ بعَقليةٍ تَغُوصُ في الشبقيةِ الجنسية على مدارِ الساعة. كما ومن الواضحِ جلياً أنّ الحياةَ ليست عبارة عن ممارسةِ الجنسِ وحسب. بل، وعلى النقيض، بالإمكان القول أنّ الاتصالَ الجنسيَّ ضربٌ من لحظاتِ الموت، أو بالأحرى، أنه حملةٌ فانيةٌ للحياةِ تجاه الموت. بناءً عليه، فمزيدٌ من الممارسةِ الجنسية، يعني أيضاً فقدانَ الحياةِ بالمِثل.

لا أشيرُ إلى أنّ العمليةَ الجنسيةَ مُميتةٌ وفانيةٌ كلياً. بل وتَحمِلُ بين أحشائِها هدفَ خلودِ الحياة. لكنّ هذا الهدفَ ليس الحياةَ بالتحديد. بل بالعكس، هو تدبيرٌ حيال الخوفِ من الموت. وهذا ما يُمكِنُ القول أنه لا يَحمِلُ قيمةَ الحقيقةِ كثيراً. بالإمكان إيضاح هذا القول كالتالي: هل تكرارُ دوامةِ الحياةِ هو المهم، أم الدوامةُ بحَدِّ ذاتِها منفردة؟ فبَعدما يُعَبَّرُ تماماً عن حقيقةِ المنفردِ بذاتِه، فإنّ تَكرارَ الدوامةِ إلى مالا نهاية لا يَحتوي معاني كثيرة. والمعنى الذي سيَحتَويه، هو الحاجةُ إلى بلوغِ “المعرفةِ المطلقة”. وفي هذه الحال، فبمقدارِ ما تُدرِكُ الدوامةُ نفسَها جيداً، سيَكُونُ قد تمَّت تلبيةُ احتياجِ المعرفةِ المطلقةِ بنفسِ القدر. وهذا ما مفادُه أنه لا تبقى هناك قيمةٌ أو معنى ملحوظٌ للدوامات، وبالتالي للتكاثُرِ الجنسيّ.

المرأةَ تَخضَعُ لقمعٍ واستغلالٍ اجتماعيَّين مؤسّساتِيَّين ومُمَنهَجَين

النتيجةُ التي يُمكِنُ استخلاصها من هذه التقييماتِ المقتَضَبة، هي أنّ المرأةَ تَخضَعُ لقمعٍ واستغلالٍ اجتماعيَّين مؤسّساتِيَّين ومُمَنهَجَين منذ العصرِ الأبويّ. فعبوديةُ المرأةِ مُعَقَّدةٌ وبُنيَويةٌ لدرجةٍ يستحيلُ مقارنتها بأيِّ شكلٍ آخر من أشكالِ العبودية. وأسواقُ بيعِ العبيدِ من النساء، ومؤسساتُ الجواري والحَرَمِ القائمةُ ضمن سياقِ تاريخِ المدنية، قد تَعكِسُ الظاهرةَ نسبياً. لكنّ ممارساتِ الحداثةِ الرأسماليةِ في تطبيقِ الاستعبادِ على المرأة، قد تكاثرت بما لا يُمكِنُ حسابه. إذ ما من مدنيةٍ تلاعَبَت على المرأةِ ومَأسَسَت استغلالَها لهذه الدرجة، بقدرِ ما هي الرأسمالية. حيث استُغِلَّت الظاهرةُ إلى درجةٍ باتت نسبةٌ ساحقةٌ من النساءِ فيها يَعكِسن الممارساتِ التي تُسقِطُهنّ إلى أكثرِ الأوضاعِ انحطاطاً وسفالةً على أنها الخصائصُ الأساسيةُ لهويةِ المرأة. بل وحتى إنهن تَقَبَّلن أنْ يَكُنَّ جزءاً من الألاعيبِ الملعوبةِ عليهن، وبِتنَ في حالةٍ مُستَولى عليهنّ فيها إلى درجةٍ لا يَرَين مانعاً من لعبِ هذه الألاعيبِ بذاتِهن. إننا لا نتحدثُ فقط عن القمعِ والاستغلالِ الظاهراتيّ. فالمرأةُ لا تتوانى عن عرضِ نفسِها طوعيّاً لعبوديةٍ مُستَساغةٍ في كافةِ خلايا الحياةِ صوتاً ولوناً وبَدَناً وذهناً. إنها غيرُ منتَبِهةٍ حتى إلى انقطاعِ أواصرِها مع تلك الحقيقةِ المجتمعية، وأنها صُيِّرَت مجردَ حياةٍ يتمُّ التلاعُبُ بها على خشبةِ المسرح. أو بالأصحّ، إنها عاجزةٌ عن العثورِ على إمكانيةِ إدراكِ هذه الحقيقة. لذا، وللتمكُّنِ من الحظي بكرامةِ الحياةِ وعِزَّتِها وحقيقتِها، فإنّ تبديدَ الضبابِ الملتفِّ حول المرأةِ لا يَبرَحُ محافظاً على أهميتِه بكلِّ حِدَّتِها.

إلى جانبِ حقيقةِ استحالةِ الحياةِ من دون المرأة، فاستحالةُ مشاطَرةِ حياةٍ مُشَرِّفةٍ وثمينةٍ مع امرأةٍ حُطَّ شأنُها إلى هذه الدرجةِ أيضاً حقيقةٌ جليةٌ تماماً. من هنا، فالسبيلُ الصحيحُ لخَلاصِ الحياةِ وتَحَرُّرِها، هو التحلي بالتحليلِ والممارسةِ بالإدراكِ والإحساسِ بأنّ الحياةَ القائمةَ مع المرأةِ حالياً هي نمطٌ يغوصُ فيه الكلُّ حتى الحَلقِ في العبوديةِ حتى الحضيض. ينبغي عدم النسيان بتاتاً أنّ الحياةَ الثمينةَ والمُشَرِّفةَ مع المرأة، تَقتضي الحِكمةَ والسموَّ العظيمَين. كما وعلى المتطلعين إلى العشقِ أنْ يَتَذَكَّروا كلَّ لحظة، أنّ السبيلَ إلى تحقيقِه يَمُرُّ من هذه الحكمةِ وذاك السموّ. وأيُّ تعاطٍ آخر هو خيانةٌ للعشقِ وخدمةٌ للعبودية. أي، محالٌ بلوغُ العشقِ دون التوصلِ إلى الحقيقةِ المجتمعية.

السلالاتيةِ قُبِلَت أو فَرَضَت قَبولَها كأيديولوجيةٍ ذكوريةٍ مهيمنةٍ وكاحتكارٍ سلطويّ

يُعَبِّرُ النظامُ الأبويُّ (الذي يُلاحَظُ أنه بدأَ بالتصاعدِ بدءاً من أعوامِ 5000 ق.م) عن النظامِ الذي جُرِّبَ فيه أولُ قمعٍ واستغلالٍ اجتماعيَّين، حيث بَرَزَ بعدَ النظامِ الأموميّ، الذي تُؤَيِّدُ مختلفُ البراهينِ على أنه تمَّ عيشُه بقوةٍ وطيدةٍ في ثقافةِ الشرقِ الأوسطِ الاجتماعية. عبورُ الحاكميةِ على الأطفالِ والأملاكِ إلى الرجل، أي إلى مؤسسةِ الأُبُوّة، هي ثورةٌ جذريةٌ مضادةٌ للمرأة. إنها ثورةٌ مضادةٌ بالأكثر، نظراً لتمهيدِها المجالَ أمامَ نظامٍ متزمتٍ وقمعيٍّ واستغلاليّ. ويَلوحُ أنّ الرغبةَ في امتلاكِ عددٍ جمٍّ من الأولادِ هي أولُ نظامٍ تَمَلُّكِيّ. فبقدرِ ما يَكثرُ الأولاد، فإنّ امتلاكَ القوةِ والأملاكِ والأموالِ يتضاعفُ بالمِثل. إنّ علاقةَ البطرياركيةِ والسلالاتيةِ مع المُلكِيّةِ جلية. السلالاتيةُ أولُ مؤسسةٍ عائليةٍ واسعةِ النطاق، وهي أكبر من الكلان، وأوعى منها، ومُتَعَرِّفةٌ على المُلكِيّة. إنها الشكلُ الأولُ للنظامِ الأبويّ. وتراجُعُ حاكميةِ المرأةِ على الأطفالِ والأملاكِ يَسري جنباً إلى جنبٍ مع تَدَنّيها وانحطاطِها. وتتنحى ثقافةُ الإلهةِ الأُمِّ عن مكانِها لثقافةِ المُلوك– الآلهةِ الذكور. وتُستَشَفُّ هذه المستجداتُ في الثقافةِ السومريةِ بنحوٍ صارخ. هذا وتتطورُ مؤسسةُ الزواجِ والأُسرةِ طيلة تاريخِ المدنية، تحت ظلِّ تأثيرِ نموذجِ السلالة. هكذا يُعاشُ الزواجُ الذي يعتمدُ على توازن القوى بين المرأةِ والرجلِ بمنوالٍ محدودٍ أكثر. فبِحُكمِ كونِ السلالاتيةِ قد قُبِلَت أو فَرَضَت قَبولَها كأيديولوجيةٍ ذكوريةٍ مهيمنةٍ وكاحتكارٍ سلطويّ، فغالبيةُ الزيجاتِ السائدةِ مُرغَمةٌ على الاعترافِ بسيادةِ الأب. وباختصار، فالسلالاتيةُ ومؤسسةُ العائلةِ المرتكزةِ إلى الرجلِ أنظمةٌ صُغرى مُنشَأةٌ وغيرُ طبيعة، تَحَكُّمِيّةٌ واستغلالية.

تأنيثِ المجتمعِ يبدأ بتأنيثِ المرأةِ

طَوَّرَت الحداثةُ الرأسماليةُ هذا النظامَ أكثر فأكثر. فالإجراءاتُ الحاصلةُ لصالحِ المرأةِ في الحقلِ القانونيّ، بعيدةٌ عن تأمينِ المساواةِ الفعلية. هذا وباستطاعتنا تعريف الزواج بمؤسسةِ شرعنةِ الجنسويةِ الاجتماعيةِ والحاكميةِ الذكوريةِ المُصَعَّدةِ في ظلِّ طابعِ المدنية. إنها عبارة عن الحالةِ التي تنعكسُ فيها احتكاريةُ الهرميةِ والسلطةِ والدولةِ على الوحدةِ الأكثر انتشاراً، والتي تُعتَبَرُ خليةَ المجتمع. كما ثمة تناقضٌ مستورٌ بين جوهرِها وشكلِها وشرعَنَتِها. فهي بمنزلةِ أفضلِ مؤسسةٍ لتمويهِ عبوديةِ المجتمعِ العامةِ ممَثَّلةً في شخصِ المرأة. حيث يُعمَلُ على تأنيثِ المجتمعِ خطوةً تِلوَ الأخرى، باتِّخاذِ سياقِ تأنيثِ المرأةِ أساساً (إسقاطها والحطّ من شأنها وتصييرها امتداداً للرجل). لقد نُفِّذَت عبوديةُ الرجلِ بعد تأنيثِ المرأةِ وبالتداخُلِ معها على الدوام. فالعبوديةُ والتأنيثُ المُطَبَّقتان على المرأة، واللتان أَثمَرتا عن نتائجِهما، كانتا ستُوَطَّدان لاحقاً لدى الرجالِ والطبقاتِ المسحوقة. هذا السياقُ المتصاعدُ مع المدنية، يَصِلُ أَوجَهُ مع الحداثةِ الرأسمالية. والفاشيةُ ذات معنى خاصٍّ في سياقِ تأنيثِ المجتمع. فهي تشيرُ إلى المجتمعِ الصائرِ مستسلِماً. بينما الحداثةُ تُعَبِّرُ عن المجتمعِ المَخصِيِّ والمفتقرِ لمهارتِه في الدفاع، وعن مجتمعِ الزوجاتِ العموميات، الذي بات فيه الجميعُ أزواجاً وزوجاتٍ لبعضِهم البعض. ذلك أنّ تراكُمَ رأسِ المالِ المتحققِ باستمرار، يتطلبُ الروحَ الهجوميةَ والبربريةَ لدرجةٍ لا يُتيحُ فيها الفرصةَ لشكلٍ آخر من المجتمع. إنّ الزواجَ هو الميدانُ الذي تُشَرعَنُ وتُطَبَّقُ فيه العبوديةُ والاغتصابُ باسمِ الشرفِ حتى أعمقِ الأعماق.

ومع ذلك، فالمؤسسةُ التي تُميطُ قناعَ الحداثةِ وتُسقِطُه، هي الأسرةُ التي تعاني من حالةِ الإفلاس. فإفلاسُ الأسرةِ في المدنيةِ الغربيةِ لا يُشيرُ فقط إلى هشاشةِ الأواصرِ الاجتماعية، بل ويَدُلُّ أيضاً على مدى غورِ تناقضِها مع المجتمع، وعُمقِ حالةِ الأزمةِ ووضعِ الفوضى فيها. فكيفما أنّ عبوديةَ المرأةِ تُحَدِّدُ مستوى العبوديةَ الاجتماعية، فحالةُ الفوضى في العلاقةِ بين المرأةِ والرجلِ أيضاً تَعكِسُ تناقضاتِ الحداثةِ الرأسماليةِ الراهنةِ وحالةَ الفوضى لديها.

الجنسويةُ الاجتماعيةُ ليست مصطلحاً محدوداً بالسلطةِ الكائنةِ في العلاقاتِ بين الجنسَين. بل تدلُّ على سلطويةٍ مستفحلةٍ في كافةِ مستوياتِ المجتمع. وهي تُظهِرُ سلطةَ الدولةِ التي تصلُ أقصاها مع الحداثة. إذ ما مِن شيءٍ مثيرٍ وصالحٍ لأنْ يَكُونَ موضوعَ سلطة، بقدرِ ما هي المرأةُ المتشيئة. فالمرأةُ ككيانٍ مُشَيَّأٍ تتسمُ بمزايا جعلِ السلطةِ قصوى. ويُبقى عليها دوماً في وضعِ المُحَرِّضِ والمُضاعِفِ للسلطة. إنّ تحليلَ علاقةِ المرأةِ بالسلطةِ ضمن هذا الإطار مهمٌّ على صعيدِ كشفِ النقابِ عن حقيقتِها. فكلُّ رجلٍ يتميزُ بما فيه الكفاية بعَقليةٍ تجعله يطبق جشعه بالسلطةِ على شخصِ المرأة. وتتكاثرُ العقليةُ نفسُها في هيئةِ الجشعِ بالسلطة وممارسةِ النساءِ إياها على بعضهنّ بعضاً وعلى الأطفال. وتَغدو المرأةُ ذئبَ المرأةِ هذه المرة. وهذا هو الحدثُ المسمى بردودِ الفعلِ المتسلسلة. ذلك أنّ دورَ المرأةِ داخلَ نظامِ الاستغلالِ الرأسماليِّ منفتحٌ ومُساعِدٌ أكثر بكثير. فهي لا تكتفي بإنجابِ وتنشئةِ الأطفالِ مجاناً من أجلِ النظام، بل وتَنساقُ وراءَ كلِّ عملٍ بأبخسِ الأجور، ويُبقى عليها في وضعِ المُخَفِّضِ الدائمِ للأَجرِ من جهة، وكأداةِ ضغطٍ على جيشِ العاطلين عن العملِ من جهةٍ أخرى. ولَكَم هو مؤلِمٌ أنه، وبالرغمِ من كونِها صاحبةَ الكدحِ الأكثر تعرضاً للقهر، إلا أنه ما مِن تعاليم (بما فيها الماركسية) ترى داعياً للتحدثِ عن حقوقِ المرأةِ وكدحِها، أو لصياغةِ تحليلٍ أو إبداءِ موقفٍ سياسيٍّ لازمٍ لأجلِ ذلك. المؤشرُ الآخَرُ معنيٌّ بكدحِ المرأة، حيث يُبَرهِنُ استشراءَ الجنسويةِ الاجتماعيةِ لحاكميةِ الرجل.

باتت قضيةُ التزايُدِ السكانيِّ المُفرطِ تُهَدِّدُ العالَمَ والمجتمعَ تدريجياً بنحوٍ أكبر من القضيةِ الطبقية. التزايدُ السكانيُّ مرتبطٌ عن كثب بالمجتمعِ الجنسويِّ والحداثةِ الرأسمالية. فالشهوةُ الجنسيةُ التي لا تَعرِفُ السكونَ على مدارِ الساعة، والثقافةُ السلالاتيةُ والأُسَرِيّة، وسياسةُ الرأسماليةِ والدولةِ القوميةِ في التزايدِ السكانيِّ بُغيةَ الربحِ والقوة؛ كلُّ ذلك يَجلبُ معه انفجاراً سكانياً كالتَّيهور. ولدى إضافةِ مساهماتِ التقنيةِ والطبِّ إلى ذلك، فإنّ الواقعَ البارزَ للعَيانِ يُعَبِّرُ عن أخطرِ المَهالِكِ من جهةِ إمكانيةِ سيرورةِ المجتمعِ والبيئة. والفوضى الديموغرافيةُ متعلقةٌ بهذا الواقع. فكوكبُنا والبيئةُ قد بَلَغا مشارِفَ استحالةِ تَحَمُّلِ الحجمِ القائمِ منذ زمنٍ بعيد (إذا ما استمرَّ تزايُدُ السكانِ الذين يبلغ تعدادُهم ستة مليارات ونصف المليار). لذا، فتقييمُ إفلاسِ النظامِ من جانبِه هذا أيضاً أمرٌ مهمّ.

المرأة أقحمت تحت عبء مروّع

يجب الإدراك على أحسِ وجهٍ أنّ المرأةَ أُقحِمَت تحت عبءٍ مُرَوِّعٍ يصعبُ تَحَمُّله، بوصفِها أداةً لإنجابِ أطفالٍ كُثُر. فالقضيةُ تَنبعُ من نظامِ سُخرَةٍ إلزاميةٍ شاقةٍ للغاية، وتتعدى كثيراً مسألةَ امتلاكِ الأطفال. علاوةً على أنه ينبغي الاستيعاب جيداً أنّ إنجابَ الأطفالِ ليس ظاهرةً بيولوجية، بل هو ظاهرةٌ ثقافيةٌ معنيةٌ بالنظام. ذلك أنّ كلَّ مولودٍ يعني موتَ المرأة، ليس مرةً واحدة، بل مراتٍ عديدةً على صعيدِ الثقافةِ القائمة. ما يَلزَمُ هو ثقافةٌ تَقنَعُ بالقليلِ جداً، وتَعُمُّها الإجراءاتُ الصحية، وتقتضي قبلَ كلِّ شيءٍ الإعدادَ الذهنيَّ لإنجابِ الأطفال. كما إنّ إسنادَ فكرةِ الخلودِ والقوةِ إلى المعرفةِ المطلقةِ والجمالياتِ ونَماءِ المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسيّ، لا إلى الأطفال، وتحليلَ تنشئةِ الأطفالِ ضمن هذه الأولوياتِ وضمن كُلّيّاتيةٍ متكاملة؛ سيَكُونُ أثمنَ معنىً وَجُودَة. وباختصار، ينبغي حلّ وتحليل موضوعِ تنشئةِ الأطفالِ بناءً على احتياجاتِ المجتمعِ الاقتصاديِّ والأيكولوجيِّ وفلسفةِ الحرية.

لقد أضاعَ النظامُ منذ زمنٍ بعيدٍ فرصةَ تقويمِ نفسِه بالإصلاح. فما يَلزَمُ هو “ثورةٌ نسائيةٌ” تُخاضُ في الميادين الاجتماعيةِ جمعاء. وكيفما أنّ عبوديةَ المرأةِ هي أعمقُ العبوديات، فثورةُ المرأةِ أيضاً ينبغي أنْ تَكُونَ أعمقَ ثوراتِ الحريةِ والمساواة، حيث تتطلبُ الانطلاقاتِ الأكثرَ جذريةً نظرياً وعملياً على السواء. يجب أولاً خوض صراعٍ متعاقبٍ ومتواصلٍ في وجهِ الأيديولوجيةِ الجنسوية. وثورةُ المرأةِ تقتضي تجذيرَ الحربِ أخلاقياً وسياسياً تجاه عقليةِ الاغتصابِ السائرةِ على مدارِ الساعة. كما وتستَوجبُ رفضَ وتنديدَ ظاهرةِ إنجابِ الأطفالِ بهدفِ السلطةِ والاستغلال، وتركَ موضوعِ إنجابِ الأطفالِ تماماً لإرادةِ المرأةِ المتحررة. إنها تتطلبُ الثورةَ في أيديولوجيةِ السلالةِ والأسرة. ويَبدو أنّ الأهمَّ من كلِّ ذلك أنها تقتضي تجاوُزَ فلسفةِ (أو بالأصحِّ لافلسفةِ) الحياةِ الحاليةِ مع المرأة. إذ ينبغي عدم تقييمِ قوةِ العيشِ مع المرأةِ ارتباطاً بمفهومِ امتلاكِ الأطفالِ وتغطيةِ الشهوةِ الجنسية، بل النظر إلى أنها تَكمنُ في إثمارِ الجمالِ والإخلاصِ والسِّلمِ والنُّبل، وفي وتشاطُرِ ذلك بِعَدلٍ وحرية، باعتبارِها أمتَنَ أواصرِ الصداقةِ والرفاقيةِ والمجتمعية.

لا يُمكِنُ تَحَقُّق العشقِ إطلاقاً في الشخصياتِ المُدَنَّسةِ بالعبوديةِ والاغتصابِ والسلطة

ما من شكٍّ في أنّ التشاطُرَ العادِلَ والحرَّ للحياةِ مع المرأة، يقتضي المعرفةَ المتبادَلةَ للحقيقةِ الاجتماعيةِ ذاتِ المسارِ الصحيحِ بالتأكيد. فالعشقُ الحقيقيُّ لا يُعاشُ إلا ضمن توازنِ قوى الحقيقةِ الاجتماعيةِ وبمنوالٍ متبادَل. لذا، لا يُمكِنُ تَحَقُّق العشقِ إطلاقاً في الشخصياتِ المُدَنَّسةِ بالعبوديةِ والاغتصابِ والسلطة. والتجاربُ الفاشلةُ المتواصلةُ والمُعاشةُ مِراراً، وحالاتُ إفلاسِ الأسرةِ تؤكِّدُ مصداقيةَ هذه الحقيقة. ففي حالِ تَحَلّي المرأةِ أيضاً بالقوةِ والمعرفةِ المجتمعيتَين بقدرِ الرجلِ على أقلِّ تقدير، سيَكُونُ بالإمكان عيش الحبِّ والجمالِ بإنتاجِهما وتَشاطُرِهما بلا سلطة، وضمن أجواءٍ تَسودُها المساواةُ والحريةُ والسلام. ويَشتَرِطُ راهنُنا، أي القرن الحادي والعشرون، إيلاءَ الأولويةِ لثورةِ المرأةِ بالتأكيد. وشعارُ “إما الحياةُ أو البربرية” يَفرضُ إنجازَ هذه الثورة.

الشرقِ الأوسطِ بحاجةٌ لثورةٍ نسائيةٍ ثانيةٍ

ومثلما لمجتمعِ الشرقِ الأوسطِ حاجةٌ بثورةٍ زراعيةٍ– قرويةٍ ثانية، فهو بحاجةٍ إلى ثورةٍ نسائيةٍ ثانيةٍ أيضاً. النظامُ الأموميُّ هو ثورةُ العصرِ النيوليتيِّ النسائية. أو بالأحرى، الثورةُ النيوليتيةُ الرائعةُ كانت ثورةً نسائية. وهي ثورةٌ لا تزالُ البشريةُ تَقتاتُ على إرثِها. في حين أنّ النظامَ الأبويَّ هو ثورةُ المدنيةِ والحداثةِ المضادةُ المبنيةُ على انحسارِ المجتمعِ الطبيعيّ، والمُوَلِّدُ لأعمقِ درجاتِ عبوديةِ المرأةِ واستغلالِها، والمُوَسِّعُ إياها في كافةِ صفوفِ المجتمع. لكنّ هذه الثورةَ المضادةَ الكبرى تَشهَدُ في يومِنا أزمتَها الممنهجةَ وحالةَ الفوضى في جميعِ الميادين الاجتماعية، وتُعاني الانحلالَ والانهيار. يُفهَمُ من ذلك أنّ ما فُرِضَ على المرأةِ هو خيانةُ الحياة. من هنا، ولَئِنْ يُرادُ حياةً قَيِّمةً بالفعل، فيجب أولاً إعادة إنتاج مشاعرِ الجمالِ والجَلال، والنجاح في تَشاطُرِها ضمن توازنِ القوى بالمعرفةِ المتبادلةِ مع المرأة. ويجب إنشاء هذا الواقعِ وبلوغ حقيقتِه. كما وينبغي في هذا المضمار أنْ يتمَّ عيشُ الواحديةِ والكونية، أي عيشُ الحالةِ العَينِيّةِ للمرأةِ والرجلِ والحالةِ المجردةِ المُثلى للذكورةِ والأنوثةِ معاً وبالتداخل. ولأجلِ عيشِ ذلك، يتوجب تكوين وعيِه وإرادتِه. في حين يجب التخلي عن بعضِهما البعض جذرياً من زاويةِ المُلكيةِ والتَّمَلُّك. كما ويجب جعل جاذبيةِ الجمالِ والشخصيةِ الأصيلةِ ساريةً بدلاً من مفهومِ الشرفِ التقليديّ.

السعادة ستظل خيال أجوف في حال لم يتم تحرير الحياة بثورة نسائية

يستحيلُ تحريرُ الحياةِ ما لَم تُعَشْ ثورةٌ نسائيةٌ جذرية، وبالتالي، ما لَم يَتَحَقَّق التغيرُ الجذريُّ في عقليةِ وحياةِ الرجل. ذلك أنّ العاملَ الرئيسيَّ في الحياة، بل وحتى الحياةَ بذاتِ نفسِها ستتحولُ إلى سَراب، ما لَم تتحرر المرأةُ بصفتِها قمةَ الحياة. كما ستظَلُّ السعادةُ خيالاً أجوفاً، ما لَم تَتَحَقَّقْ مُصالَحةُ الرجلِ مع الحياة، ومُصالَحةُ الحياةِ مع المرأة. لا حدود للحقائقِ الاجتماعيةِ بشأنِ المرأةِ والحياةِ الحرة. لكنّ المجتمعَ والمرأةَ الشرقَ أوسطيَّين أُسقِطا بما فيه الكفاية، وأُخرِجا من كَينونتِهما، وصُيِّرا بمثابةِ موضوعٍ شيئيٍّ على يَدِ المدنيةِ التي عاشاها، والحداثةِ التي تَعَرَّضا لغَزوِها. من هنا، فتحليلُ القضية الاجتماعيةِ عبر المرأة، والتوجُّهُ صوب حلِّها أيضاً عن طريقِ الظاهرةِ عينِها؛ إنما هو الأسلوبُ الصحيح. ولا يُمكِنُ بلوغ الحقيقةِ بخُطى سديدةٍ فيما يتعلقُ بأُمِّ القضايا، إلا بفرضِ ثورةِ المرأة، التي هي أُمُّ الحلول.

العصرانيةُ الديمقراطيةُ… وقضية المرأةِ وثورتِها

تتميزُ العصرانيةُ الديمقراطيةُ بالإصرارِ والنموذجيةِ والعملياتيةِ في سياقِ قضيةِ المرأةِ وثورتِها. فالمشاريعُ التي تشتَمِلُ عليها عناصرُ العصرانيةِ الديمقراطية، لا تُخَطَّطُ أو تُنَفَّذُ من دون المرأة. وبالعكس، إنها مشاريع بمثابةِ ثوراتٍ ستتحققُ في كلِّ خطوةٍ منها بمشاطَرةِ الحِكمةِ والممارسةِ العمليةِ مع المرأة. فكيفما تَحَقَّقَ بناءُ المجتمعِ الاقتصاديِّ بريادةِ المرأة، فإعادةُ هيكلتِه أيضاً تقتضي القوةَ الكوموناليةَ للمرأة. ذلك أنّ الاقتصادَ هو المِهنةُ الاجتماعيةُ والممارسةُ الذاتية للمرأة. أما الأيكولوجيا، فهي علمٌ لا يُمكِنُ تحقيق التقائِه مع المجتمع، إلا بنَباهةِ المرأةِ ويَقَظَتِها. فالمرأةُ بيئويةٌ على صعيدِ الهوية. كما أنّ المجتمعَ الديمقراطيَّ مجتمعٌ يتطلبُ ذهنَ المرأةِ وإرادتَها الحرة. وبمنتهى الصراحة، فالعصرانيةُ الديمقراطيةُ هي عصرُ ثورةِ المرأةِ وحضارةِ المرأة.

(آ)