المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

القائد عبد الله أوجلان: لا يمكن تحقيق الحرية دون خطر الحرب

64

قيّم القائد عبد الله أوجلان أسلوب نضال حزب العمال الكردستاني وقال: “قيام حرب حزب العمال الكردستاني وفعاليتها كانت خطوة ضرورية، فلا يمكن تحقيق الحرية من دون خطر الحرب”.

القائد عبد الله أوجلان: لا يمكن تحقيق الحرية دون خطر الحرب

يتناول القائد عبد الله أوجلان في المجلّد الخامس من مرافعاته والذي يحمل عنوان “القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية/ دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكّي الإبادة الثقافية” وتحديداً في الفصل الرابع المعنون بحركة حزب العمال الكردستاني وحرب الشعب الثورية، حرب وأسلوب نضال حزب العمال الكردستاني. 

وبمناسبة الذكرى الـ 46 لتأسيس حزب العمال الكردستاني، نعرض لكم هنا مقتطفات من تقييمات القائد عبد الله أوجلان بخصوص حزب العمال الكردستاني.

تجربة الحرب الشعبية الثورية في PKK، ونتائجها:

“إنّ تهيئةَ أرضيةِ PKK في أنقرة انعكاسٌ نموذجيٌّ للسياسةِ الاستعماريةِ الكلاسيكية. وقد برزَ عددٌ جمٌّ من هذه الأمثلةِ في عمومِ المعمورة تأسيساً على علاقةِ الاستعمار–المتروبولات. لقد حاولتُ الإشارةَ إلى مخاضاتِ الخروجِ من أنقرة. ومن الساطعِ أنها إحدى أكثرِ المراحلِ مشقّة. لَم تَكُن المشقاتُ تنبعُ من القوةِ الفظة. بل من خصوصيةِ الفاشيةِ التركيةِ البيضاء وأجوائِها النفسيةِ والثقافيةِ الخانقة. فبقدرِ ما كان دخولُها عسيراً، فالخروجُ منها أيضاً كان عسيراً. كانت ماهيةُ الثقافةِ والحالةِ الروحيةِ التي حصلَ الخروجُ بها تتحلى ببالغِ الأهمية. فبَعثُ الحركةِ القوميةِ الكرديةِ وإحياؤُها في أجواءٍ توَّجَت فيها الإبادةُ الثقافيةُ نصرَها المؤزر، هو أَشبَهُ ما يَكُونُ بإخراجِ الميتِ من القبرِ حياً. كان الوضعُ يُذَكِّرُنا بالمَثَلِ الشعبيّ: “لا يأس من جسدٍ فيه روح”. إذ كانت الوظيفةُ الأساسيةُ تتمثلُ في حَمْلِ مريضِنا، الذي تَبدو عليه أَماراتُ الانبعاث، ونَقلِه إلى أوساطٍ أخرى لتأمينِ معالجتِه واستردادِه عافيتَه.

كما كان وضعُنا في أورفا شبيهاً بالحالةِ المَرَضيةِ للنبيِّ أيوب. وكان “تَركُ الديارِ” خياراً لا يحتملُ التأجيل. أما اختيارُ أكثرِ ساحاتِ الشرقِ الأوسطِ غلياناً لتَكُونَ ساحةَ نشاطٍ استراتيجيّ، فكان أمراً مبدئياً من حيث علاقتِه بالهدف. إذ كانت العديدُ من القوى المماثلةِ قد اتجهَت إلى أوروبا. لكن أوروبا كانت قد تخلَّت منذ زمنٍ بعيد عن كونِها مركزَ النشاطِ الثوريّ، لتؤديَ دورَ الأبِ والأمِّ للحداثةِ التركيةِ المُسَلَّطةِ بلاءً على الرؤوس. بمعنى آخر، فالثوارُ الذين عُمِلَ على ترويضِهم وتطويعِهم بالعنفِ الفظِّ داخل تركيا، كانوا سيعودون إلى رُشدِهم في أوروبا بالعلاجِ النفسيّ، على حدِّ تعبيرِهم. كان بالوسعِ تسييرُ النشاطِ في أوروبا دون شك. ولكنْ، ما كان لنا أنْ نجعلَها مركزاً استراتيجياً.

مرت أولُ سنةٍ لنا بالانهماكِ بتغطيةِ احتياجاتِنا اللوجستية وبلَمِّ شملِ مجموعتِنا. وإذ ما أَرجَأنا روايةَ قصةِ ذلك، فسنكتفي بالتنويهِ إلى الأهميةِ الكبرى لتقييمِنا الصحيحِ للمكانِ والزمانِ الجديدَين. فقد كان PKK أيديولوجيَّ الطابع في سبعينياتِ تركيا وكردستان. إذ تَمَثَّلَ أيدلولوجيةَ الدولتيةِ القوميةِ للاشتراكيةِ المشيدة. كانت الخصائصُ الديمقراطيةُ موجودةً فيه كطاقةٍ كامنة. لكننا كنا نفتقرُ إلى الآفاقِ التي تُخَوِّلُنا لمكافحةِ النزعةِ التحريفيةِ المتفشيةِ في الاشتراكيةِ المشيدة. وما كان بمستطاعِنا خوضُ الصراعِ الموفقِ إلا بشقِّ الأنفسِ في وجهِ أيديولوجيتَي القوميةِ البدائيةِ والشوفينيةِ الاجتماعية. لكن، ومثلما لَم يَكُن ثمة داعٍ لذلك في أجواءِ المكانِ والزمانِ الجديدَين في الشرقِ الأوسط، فإنّ شروطَه أيضاً لَم تَكُن موجودة. إذ كانت الظروفُ تقتضي تطويرَ PKK ذي الحربِ الثوريةِ في الداخل، وعقدَ التحالفِ مع التنظيماتِ الأخرى ومع دولِ الاشتراكيةِ المشيدةِ في الخارج.

كان PKK الأيديولوجيُّ يَعِدُ كثيراً بآمالِ الحياةِ الحرة، بالرغمِ من غموضِ بعضِ العناصرِ في أيديولوجيتِه. لكنّ تلك الوعودَ الأيديولوجيةَ لَم تَكُنْ تكفي بتاتاً لأجلِ حياةٍ حرة. لذا، كان خلقُ PKK الحربيِّ وتفعيلُه مرحلةً اضطرارية. إذ ما كان بالمقدورِ نيلُ أيةِ حرية، من دونِ وضعِ الحربِ في الحُسبان. وما كان بإمكانِنا الحظيُ حتى بهويتِنا الذاتيةِ حينذاك، فما بالك باكتسابِ الحياةِ الحرة. في حين أنّ تصوراتنا في أنقرة كانت بعيدةً عن كينونةِ الحياةِ الحرة؛ وربما كانت منحصرةً في إطلاقِ تسميةٍ على الهويةِ الذاتية. وهذا بحَدِّ ذاتِه كان محفوفاً بالمخاطرِ الكبرى. وفي المحصلة، كنا قد استحوذنا على اسمٍ للهويةِ الكرديةِ الذاتيةِ رغمَ مهالكِها.

حرب الحرية والهوية

بالتالي، ما كان للخطوةِ الثانيةِ الكبرى أنْ تَكُونَ تكراراً لِما تمَّ اكتسابُه. لذا، كنا سنُبادرُ إلى خوضِ حربِ الحريةِ لأجلِ الهوية.

ومرةً أخرى كانت المشكلةُ الأساسيةُ التي تُواجهُنا فلسفيةً إلى حدٍّ بعيد. فالقضيةُ الفلسفيةُ الرئيسية تتعلقُ بالعلاقةِ بين الهويةِ والحرية. أَكان بالإمكانِ عيشُ الهويةِ من دون حرية؟ أَكانت الحريةُ بمعناها الفرديِّ ممكنةً من دونِ هويةٍ مجتمعية؟ ولَئِنْ كان من الصعبِ إعطاءُ جوابٍ إيجابيٍّ على هذَين السؤالَين الأساسيَّين، فسيتطلبُ حينها إضفاءَ المعنى على العلاقةِ بين الممارسةِ والحرية، أي بين الإرادةِ والحرية. فطرازُ القمعِ والاستغلالِ المُسَلَّطُ على الهويةِ الكردية، ليس كطرازِ القمع والاستغلالِ الذي تؤديه أيةُ دولةٍ قوميةٍ أوروبيةٍ مثلاً. ذلك أنّ أساليبَ الإبادةِ الثقافيةِ الطويلةِ المدى والمستشرية في كافةِ الحقولِ الاجتماعيةِ قائمةٌ في كردستان على قَدَمٍ وساق. وعليه، يستحيلُ الحديثُ عن الوجودِ أو الهويةِ ما دامَت تلك الأساليبُ سارية.

أما الحرية، فلا تَسري عندئذٍ إلا على عناصرِ الحداثةِ للدولةِ القوميةِ الحاكمة، حيث يعيشُ سَوادُ المواطنين –هناك أيضاً– عبوديةً عصرية. أما بالنسبةِ للكرد، فيُستَهلَكُ وجودُهم وهويتُهم جزءاً تلو الآخر إلى أنْ يَزولا. وكلُّ وسائلِ الصهرِ والإبادةِ دائرةٌ على قَدَمٍ وساق في سبيلِ ذلك. موضوعُ الحديثِ هنا ليس قمعاً سياسياً واستغلالاً اقتصادياً فحسب. بل إنّ الوجودَ التاريخيَّ الاجتماعيَّ والهويةَ الذاتيةَ بحَدِّ ذاتَيهما يعانيان من الإنكارِ والإبادة. بالتالي، كان من المحالِ نيلُ الحريةِ بكفاحٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ من الطرازِ الأوروبيّ. كما ولم يَكُن ثمة داعٍ لخوضِ حربِ الوجودِ في أوروبا آنذاك. ففيما عدا بضعة استثناءات، فقد كانت الهوياتُ لا تتعرضُ هناك للإبادة والإنكار، حتى ولو تعرضت للقمع. من المهمِّ التمتعُ بالوجودِ والهوية، مهما قِيلَ إنه لا قيمة للهويةِ الذاتيةِ من دونِ حرية.

الوضعُ مختلفٌ في الظاهرةِ الكردية. إذ يتمُّ إنكارُ الوجودِ الكرديِّ وهويته. وتُنَظَّمُ الإبادةُ التعسفية على الأجزاءِ المتبقيةِ منهما. والحالُ هذه، يغدو الوجودُ والحريةُ مصطلحَين متداخلَين بحيث يستحيلُ تَحَقُّقُ أحدِهما من دون الآخر.

عليكَ بكسبِ الوجودِ إنْ كنتَ تَرومُ إلى الحرية

أي، عليكَ بكسبِ الوجودِ إنْ كنتَ تَرومُ إلى الحرية، وعليكَ بنيلِ الحريةِ إنْ كنتَ تطمحُ في الوجود. هذا وبالرغمِ من سيادةِ الوسائلِ النفسيةِ والثقافيةِ الكثيفة (الأجهزة الأيديولوجية) خلال مراحل الإنكارِ والإبادة، إلا إنّ أساليبَ التطبيقِ الأوليةَ كانت تستندُ إلى القوةِ الجسدية. فالجيش، البوليس، الكونتر كريلا، الميليشياتُ الفاشيةُ المدنية، المرتزقة، والميليشيات العميلة؛ كلُّهم قائمون على نشاطاتِهم كشبكةٍ متغلغلةٍ في مساماتِ الوجودِ كافة، وبمساندةِ الناتو والقوى الحليفة الأخرى. إنّ قوى الإبادةِ الجسديةِ المرتكزةِ إلى خلفيةٍ تاريخيةٍ عمرُها مئة سنةٍ بأقلِّ تقدير، تطمعُ دوماً في استخدامِ القوى السلطويةِ والهرميةِ التقليديةِ أيضاً. لذا، يستحيلُ كسبُ الوجودِ والهوية أو نيلُ الحرية؛ من دونِ وضعِ حقائقِ تلك القوى الجسديةِ نُصبَ العين، ومن دونِ الشروعِ بممارسةٍ أو خوضِ صراعٍ يستهدفُها.

يتحدثون عن كسب الهويةِ ونيلِ الحريةِ بالثرثرةِ الديماغوجيةِ الزائفةِ

إنّ بعضَ الانطلاقاتِ الضحلةِ وتياراتِ القومويةِ البدائيةِ الملتفةِ حول الطبقةِ البورجوازية، والتي تُشاهَدُ بين صفوفِ المتواطئين الكردِ العصريين؛ وكذلك الشوفينياتِ الاجتماعيةَ التركيةَ المتواطئةَ مع الدولةِ القوميةِ الحاكمة؛ تقومُ بالتحدثِ عن كفاحٍ عامٍّ ومعياريٍّ لأجل الحرية، دون أنْ تضعَ نُصبَ أعينها نظامَ الإبادةِ والإنكارِ المُسَلَّطَ على الوجودِ والهويةِ الكرديَّين، ولا وسائلَ وسُبُلَ ممارساتِ التطهيرِ العرقيّ. لذا، ومهما كانت صادقة، إلا إنها موضوعياً تؤدي دوراً أكثر سلبيةً مما عليه قوى الإنكارِ والإبادةِ الواعيةُ لمآربِها، نظراً لتغافُلِها عن حالةِ الإبادةِ الجماعيةِ القائمة. فهي تقولُ إنه يمكنُ الحظي بالهويةِ ونيلِ الحريةِ بالثرثرةِ الديماغوجيةِ الزائفةِ التي لا طائلَ منها عملياً. أي أنها تحاولُ فرضَ قولِ “آمين” لدعاءٍ لا يُستجاب، وكأنها تسعى إلى مداواةِ كائنٍ على مشارفِ الإنكارِ والإبادة باقتراحِ أساليبَ أَشبَهُ ما تَكونُ بإعطاءِ الأسبرين مثلاً إلى مُصابٍ بمَرضِ السرطان. وهي بذلك تزعمُ أنها تداويه، لكنها في الحقيقة تتسببُ في وفاتِه.

والنتائجُ بَيِّنةٌ للملأ، بالرغمِ من اختبارِها تلك الأساليبَ لسنوات. بمعنى آخر، فهي تظنُّ أنه يُمكِنُها التمتُّعُ التامّ بهوياتِها الذاتيةِ وعيشِها بحرية عبر الرياءِ وبخوضِ نضالٍ أيديولوجيٍّ وسياسيٍّ يَعتقدُ بوجودِ حقوقِ الإنسانِ وحرياتِه التي هي غائبةٌ أصلاً. بل يتعدى الأمرُ كونَه اعتقاداً ليبلغَ حدَّ الترويجِ له، سعياً منها للتشويشِ على وعيِ الشعبِ وتقزيمِ إرادتِه.

من الواضحِ أنّ النضالَ بأساليبَ ووسائلَ تشلُّ تأثيرَ أساليبِ نظامِ الإنكارِ والإبادة –حتى ولو كانت من نوعٍ مختلف– يُعَدُّ شرطاً لا بدّ منه لكسبِ الوجودِ والهويةِ والحريةِ معاً. إذ لا يمكنُ للوسائلِ الأيديولوجية والسياسية أنْ تَكُونَ مُعَيِّنةً في الظروفِ القائمةِ رغمَ ضرورتِها. ولن يصبحَ تأثيرُ هذه الوسائلِ سارياً، ولن يُناطَ بدورٍ ثمين؛ إلا بعدَ الحدِّ من وسائلِ الإبادةِ والإنكارِ عبر الأساليبِ والوسائلِ الثورية.

وبالأصل، كانت تلك الحقيقة، أي جرأةُ PKK على الكفاحِ بالوسائلِ والسُّبُلِ والأدواتِ الصحيحة، مؤثراً أساسياً في حظيِ الحالةِ العملياتيةِ الموجودةِ في انطلاقةِ PKK بمؤازرةِ الشعبِ القوية، رغمَ نُقصانِها البليغ. بمعنى آخر، فاستراتيجيةُ حربِ التحريرِ الوطنيةِ المضادةِ للاستعمار، والتي تَبَنّاها في البداية، كانت تشتملُ على حقائق مهمة، بالرغمِ من بعضِ نقاطِ الغموضِ التي تحتويها. ولذلك كانت تَلقى الدعمَ والمؤازرة. فضلاً عن أنّ بعضَ العملياتِ المحدودةِ المُنجَزةِ في هذه الوِجهةِ الاستراتيجية، كانت قد لاقت اهتماماً ودعماً خارقَين. وعند ذهابِنا إلى ساحةِ الشرقِ الأوسط، كانت نقاشاتُنا تجري فيما يتعلقُ بقضايا الوجودِ والحرية. كما كنا ننتقدُ بعضَ الأحداثِ بحثاً عن استراتيجياتٍ وتكتيكاتٍ أصحَّ وأحد(ر)