رهانات تركيا الخاسرة.. اللجنة البرلمانية تباشر مهامها واستمرار عزلة القائد أوجلان
لازال الطريق إلى السلام في تركيا مليئا بالعقبات والتحديات في ظل استغلال أردوغان الملف الكردي ورقة سياسية للمناورة أكثر من كونه مدخلاً لحل القضية الكردية من جذورها.

رغم مباشرة اللجنة البرلمانية المعنية بعملية السلام والمجتمع الديمقراطي مهامها، إلا أن الإجراءات تسير ببطء شديد وسط تجاهل المطالب الخاصة بحرية القائد عبدالله أوجلان وضرورة مشاركته في أعمال اللجنة لتسريع عملية التفاوض وإنهاء الملف بغرض إحلال السلام والإخاء والتعايش في دولة ديمقراطية تحتوي جميع المكونات دون إقصاء لأي مكون أو فصيل، فضلا عن اتساع رقعة حملة التوقيع على لقاء القائد في كل الدول العربية والشرق أوسطية، ما يفرض على أنقرة ضرورة الاستجابة لتلك المطالب وعدم اللجوء إلى رهانات خاسرة بسياسية كسب الوقت لأن تداعيات جمود عملية السلام قد تتسبب في انهيار حكم العدالة والتنمية.
التصعيد والتهدئة
اعتمد أردوغان -دائما- سياسة تقوم على المزاوجة بين التصعيد والتهدئة، حيث يظهر في بعض المراحل منفتحاً على الحوار، خصوصاً خلال المواسم الانتخابية، بينما يعود سريعاً إلى خطاب التشدد والتلويح استخدام القوة العسكرية، وهذه المراوغة خلقت حالة من الارتباك الناجم عن عدم وجود خطوات سياسية واضحة وملموسة وسريعة تقابل عملية حرق السلاح التي نفذها «العمال الكردستاني»، وما يفسر موقف حكومة أنقرة هو تعامل حزب العدالة والتنمية مع الملف كوسيلة لتعزيز الشعبية، فحين يحتاج إلى أصوات الناخبين الكرد يطلق رسائل تهدئة، وحين يسعى لحشد القاعدة القومية يرفع نبرة المواجهة مع حزب العمال وبهذا يظل الصراع أداة انتخابية أكثر منه قضية وطنية قابلة للحل.
استمرار التوتر
لم يقتصر الأمر على الداخل التركي فقط، إذ باتت العمليات العسكرية في جنوب كردستان، روج آفا وإقليم شمال وشرق سوريا جزءاً من استراتيجية أنقرة بدعوى محاصرة الحزب وامتداداته، بما يمنح أردوغان فرصة لتقديم نفسه أمام القوى الدولية باعتباره مؤثرا على الساحة، حتى مع وجود خطوات سلمية من جانب الحزب، ومن ثَمّ تفرض الأوضاع الراهنة احتمالات عدم جدية أردوغان في وضع تصور نهائي للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني، بل يراوغ في هذا الملف، مستفيداً من استمرار التوتر كأداة للضغط السياسي والانتخابي، وهكذا يبقى الصراع مفتوحاً، وتبقى القضية الكردية في انتظار مشروع لحل دائم، إلا أن الرهان على صبر الكرد خطأ استراتيجي لحزب العدالة والتنمية قد يجر عليه العديد من المشاكل إذا نفد صبر قيادات حزب العمال الذين بادروا بتنفيذ مبادرة القائد أوجلان دون تردد، وبالتالي فإن المماطلة في حل القضية قد يعيد الحزب إلى ميدان الكفاح المسلح مرة أخرى.
الدكتور علي ثابت الأكاديمي المصري الباحث في شؤون الهويات بالشرق الأوسط أكد في تصريحات لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «سياسة المماطلة والتسويف ليست جديدة على تركيا، وتمارسها ابتغاء كسب الوقت وتحقيق مكاسب سياسية على حساب الشعب الكردي. ولكن التغيرات التي طرأت على الشعب الكردي وثورته الذهنية ووعيه وإيمانه بقضيته يجعل الأمر مختلف هذه المرة، الخطوات التي شكلها الكرد وفتح آفاقاً جديدة للتعايش السلمي المتمثل في نداء السلام الأوجلانى، تضع تركيا في مأزق كبير أمام المجتمع الدولي، والحل يبدأ بالإفراج عن أوجلان، ثم تعديل الدستور التركي ليكون دستور الجمهورية التركية الديمقراطية، واحتواء المكون الكردي والاعتراف بهويته وتاريخه وثقافته، لكن المماطلة التركية تشير إلى تطورات إقليمية خطيرة على منطقة الشرق الأوسط، وقد يستمر الشعب الكردي في دفع ثمن بقائه، كما أن استمرار السياسة التركية على نهجها القديم فيما يخص الملف الكردي سوف تعزز عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، كذلك تدخلها في الشأن السوري وتعطيل وتوجيه المحادثات بين دمشق و الإدارة الذاتية، فهي تعلن تشكيل لجان وفي نفس الوقت تعرقل خطوات المسار السلمي والديمقراطي في حل القضية الكردية، سياسة التسويف سياسة تركية بامتياز».
خلط الملفات

الدكتور نبيل رشوان الكاتب الصحفي المصري والمحلل السياسي قال في تصريحات لوكالة فرات للأنباء «ANF »، إنّ «هناك حالة من التراخي والتباطؤ في التعامل مع عملية السلام والمجتمع الديمقراطي بدليل عدم الافراج عن القائد أوجلان حتى الآن رغم المبادرة التاريخية التي قدمها للسلام ليس في تركيا وحدها وإنما لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، ويمكن تفسير التعثر الراهن بأنه نتيجة خلط الملفات وتشابكها في ظل ما يدور الآن بإقليم شمال وشرق سوريا، وه ما ينعكس على تعامل أردوغان من العملية، خاصة مع استمرار عدائه للإدارة الذاتية دون وجود بادرة أمل لإنهاء الصراع التركي، ولاحظ الجميع حالة المماطلة التركية وتلكؤها رغم أن أردوغان يقف على أعتاب لحظة تاريخية لم يدرك حقيقتها، وكانت تلك اللحظة تستوجب تلقفه للمبادرة بجدية أكثر والبعد عن التسويف والمماطلة وعدم ربط الملفات ببعضها وحينها كنا بصدد تحول تاريخي ليس في الداخل التركي فقط وإنما في الإقليم بأكمله، ورغم ذلك لازالت الفرصة سانحة بأن تغير تركيا من نهجها في التعامل مع عملية السلام خاصة وأن الصراع لم ولن يستفد منه أحد وسينعكس سلبا على الداخل والخارج».