الحرية الجسدية للقائد آبو وحقه في الأمل ضمانتان أساسيتان لنجاح عملية السلام
تتواصل خطوات القائد عبد الله أوجلان نحو السلام، إلا أن النظام التركي لا يزال مصمم على استمرار عزلته، رغم أن الحرية الجسدية للقائد ضمانة أساسية لنجاح عملية السلام.

رغم التحولات الكبيرة التي تشهدها القضية الكردية، والمبادرات الجريئة التي أطلقها القائد عبد الله أوجلان، وعلى رأسها “نداء السلام والمجتمع الديمقراطي”، وقرار حزب العمال الكردستاني بوقف العمل المسلح ثم إحراق العشرات من مقاتليه لسلاحهم، فإن تركيا ما تزال ترد على هذه المساعي بمواقف تبدو كما لو كانت متصلبة وعقابية، والتي منها الإصرار على استمرار العزلة الجسدية للقائد عبد الله أوجلان.
ويأتي هذا بالرغم من كل المناشدات التي تدعو النظام التركي إلى اتخاذ خطوات للأمام؛ استجابة لنداء السلام، وعدم تفويت هذه الفرصة التي لن تعوّض إذا أضاعها، لا سيما وأن الجانب الكردي قدم كل ما يمكنه القيام به، واتخذ خطوات جادة وملموسة، ما يثير مخاوف من إمكانية فقدان الكرد الثقة في عملية السلام، في ظل عدم اعتراف الدولة بالحق في الأمل.
ظلم بحق رمزي للنضال
إن قضية الحرية الجسدية للقائد آبو تتجاوز حدود شخصه، لتُمثل أحد الرموز الأوضح لنضال الشعب الكردي من أجل الاعتراف بحقوقه السياسية والثقافية داخل تركيا وخارجها. فمنذ مؤامرة أسره عام 1999 وحتى اليوم، أصبح القائد عبد الله أوجلان رمزاً سياسياً ذا تأثير عميق، لا فقط في الوجدان الكردي، بل في معادلات الاستقرار الإقليمي.
كما أن استمرار عزله الكامل ومنعه من التواصل مع العالم الخارجي يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان التي تكفلها الاتفاقيات الدولية، ويُعد إشارة خطيرة على تراجع مساحة الحريات داخل تركيا. وفي المقابل، فإن إنهاء هذا العزل وإتاحة الحرية الجسدية للقائد خطوة مفتاحية وضمانة أساسية لأخذ عملية السلام مسارها الصحيح.
يقول الناشط الحقوقي التونسي عبد العزيز شرف الدين عقوبي، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أوجلان رمز وزعيم له وزن وثقل عالمي، ومن المفترض بعد ما قدمه خلال الأشهر الماضية لا يتم رفع العزلة عنه فقط، بل يتم إطلاق سراحه، خاصةً أنه قضى فترة محكوميته التي ربما تجاوزت 27 عاماً، مشدداً على أن استمرار هذا الوضع في صميم مناقضة حقوق الإنسان لدى الدولة التركية، كما تثبت ازدواجية المعايير الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وأضاف الناشط الحقوقي التونسي أنه حتى بعيداً عن حقوق الإنسان، فإن تركيا بحاجة إلى الاستقرار بين مكوناتها في ظل ما يشهده العالم وقلب الشرق الأوسط من اضطرابات، مؤكداً أنه دون الحرية الجسدية ودون إطلاق سراح أوجلان لن تنجح عملية السلام، ولن تنعم تركيا بالاستقرار الداخلي، لا سيما وأنه حتى المبررات التي كانت تقولها أنقرة لسجنه لم تعد موجودة.
في الواقع، فإن الحرية الجسدية لأوجلان ليست فقط مطلباً إنسانياً، لكنها اختبار حقيقي لجدية أنقرة في تبني نهج سياسي يعترف بتعدد مكونات المجتمع، بدلاً من القمع والإقصاء. إنها أيضاً رسالة إلى المجتمع الدولي بأن الحلول الأمنية وحدها لا تُنتج استقراراً، بل تزيد الاحتقان وتُغلق أبواب الحوار.
حق الأمل.. معيار أخلاقي قبل أن يكون قانونياً
وفي سياق التعاطي مع وضع القائد عبد الله أوجلان، مؤخراً أصرت أنقرة في خطتها الرسمية المقدمة إلى مجلس أوروبا على رفض تعديل تشريعاتها بما يسمح بهذا الحق، في إشارة سياسية لا تخلو من العناد والتحدي للقانون الدولي، ما يثير تساؤلات حقيقية إضافية حول نواياها في التعامل الجاد مع قضية السلام مع الكرد، رغم ما يعلنه الساسة الأتراك من شعارات “الانفتاح” أو “الإصلاح”.
وحق الأمل ليس مجرد مطلب إنساني أو قانوني، بل مؤشر حقيقي على التزام الدول بمعايير العدالة وحقوق الإنسان، وتحديداً مبدأ عدم حرمان أي إنسان من إمكانية التغيير والمراجعة والتكفير عن الماضي. والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كانت واضحة في اعتبار حرمان المحكومين بالمؤبّد المشدّد من هذا الحق انتهاكاً صريحاً للمادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية، التي تحظر المعاملة اللا إنسانية.

بخصوص حق الأمل، يقول السياسي السوري الكردي سليمان جعفر، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يصف موقف أنقرة بـ “النقض للعهود” بعد كل ما قام به القائد أوجلان، ويشدّد على أن “نقض العهود ليس غريباً على الأتراك، منذ أيام السلاطين العثمانيين وحتى أحفادهم، كما أنه لتنفيذ مخططاتهم لا يتورع الحاكم التركي في قتل أي شخص يعرقل مسيرتهم حتى ولو كان تركياً”.
ويضيف أن “الهروب من الاتفاقيات والمعاهدات سمة تركية بامتياز، ويعلم قادة حزب العمال الكردستاني ذلك جيداً، ورغم ذلك فهم مصممون على إنهاء عقود من الحروب راح ضحيتها بحدود 40 ألف قتيل من الطرفين”، مشيراً إلى أن دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية يعرف أردوغان وكيف يتنصل من وعوده، ويعرف القائد أوجلان كيف يفي بوعوده، فقال بعد انتهاء المؤتمر الأخير لحزب العمال الكردستاني: “لقد اكتمل جناح الطير الأول”، في إشارة إلى تنفيذ القائد أوجلان ما يقع على عاتقه، فهل سنقوم نحن بالمثل ونفرد جناح الطير الآخر؟
تهديد لمسار السلام ونتائج عكسية
إن الإصرار على حرمان القائد عبد الله أوجلان ورفاقه من الحد الأدنى من الحقوق التي أقرتها المحكمة الأوروبية لا ينفصل عن استراتيجية أوسع تهدف إلى إبقاء القضية الكردية في دائرة الجمود والتهديد، بدل الانفتاح والتسوية، وهو موقف لا يضر فقط بالمعتقلين، بل يُعد طعنة لمجمل مسار السلام الذي بدأ يشق طريقه بصعوبة، وخاصة بعد مبادرة حزب العمال الكردستاني غير المسبوقة بوقف النشاط المسلح وإحراق سلاحه رمزياً.
فإذا كانت الدولة لا تبدي أي بادرة حسن نية مقابل خطوات بهذا الحجم، فإن الرسالة التي تصل إلى الشارع الكردي هي أن لا أمل في أي تسوية، وأن الدولة ما زالت تختار طريق العقاب بدل الحوار. والأخطر من ذلك أن مثل هذه السياسات قد تدفع بعض الأصوات داخل الحركة الكردية إلى إعادة التفكير في جدوى الخيارات السلمية، ما يهدد بعودة التوتر والعنف، بعدما كانت فرصة نادرة قد تهيأت لبناء سلام حقيقي ومستدام.