مقترح تشريع قانوني لإطلاق سراح القائد أوجلان بين الواقع والمأمول
سرت حالة من التفاؤل الحذر عقب لقاء وفد «إمرالي»، بأردوغان، الأسبوع الماضي، وسط مطالبات بحرية القائد عبد الله أوجلان وإنهاء سجنه لبدء صفحة جديدة في مشروع السلام.

وسط حالة من الارتباك الداخلي على الصعيد التركي، واصلت القوى السياسية الداعمة للقضية الكردية جهودها فيما يخص المفاوضات الجارية بين القائد عبدالله أوجلان وحكومة أردوغان والمعروفة إعلاميا بـ«وفد إمرالي»، حيث تطورت المطالبات السياسية إلى إقرار تشريعات قانونية خاصة بتلك المفاوضات تتضمن إطلاق سراح القائد من السجن في مقابل تشريع آخر يضمن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وهو ما لاقى ردود أفعال مختلفة على مدار الساعات الماضية.
تنكيل ومراوغة
وكعادته دائما يحاول أردوغان المراوغة واللعب بكل الأوراق من خلال مطالبته بنزع سلاح الحزب أولاً مدعيا أن تركيا مستقرة وليست هناك أزمة مع القومية الكردية، في محاولة منه لفصل القاعدة الشعبية العريضة المؤيدة والداعمة للقائد عبدالله أوجلان عن حزب العمال الكردستاني ضمن تصريحاته التي يصدرها دائما ويستهدف بها القوى الدولية، تزامنا مع استمرار الانتهاكات التركية على الصعيدين السياسي والعسكري باستهداف مواقع مدنية خارج حدود الدولة والتنكيل بالمعارضين وآخرهم أكرم إمام أغلو رئيس بلدية اسطنبول الذي يخضع للاحتجاز بتهم واهية تؤكد أن القضية سياسية في الأساس، خاصة وأن حكومة أردوغان اعتادت على إقالة رؤوساء البلديات المنتخبين وعزلهم من مناصبهم وتعيين أشخاص موالون لها، وهو ما يؤكد مماطلة الرئيس التركي مستخدما سياسات ملتوية تحقق أغراضه وتغتصب حقوق الآخرين.
يأتي هذا بعد اللقاء الذي جمع وفد «إمرالي»، بإردوغان، الأسبوع الماضي، وأكد بيان صحفي لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب أن اللقاء كان بناءً وتناول كل المعوقات التي تقف أمام المفاوضات وحل لقضية الكردية، ورغم حالة التفاؤل التي ظهرت على أعضاء الوفد عقب اللقاء إلا أن ذلك لا يمثل بادرة لإقرار أوضاع جدية طالما ظلت التحركات في إطار التصريحات الإعلامية واللقاءات دون فعل ملموس من الحكومة على الأرض أقله الإعلان عن موعد لإطلاق سراح القائد أوجلان، وهو ما طالب به حزب العمال الكردستاني مقابل نزع السلاح حيث اشترط قيادة القائد أوجلان للمؤتمر العام للحزب وإعلان قرار حله، نظراً لحالة عدم الثقة في أردوغان وحكومته وهو ما دفع قيادي بالحزب إلى التأكيد على أن الدعوة لعقد المؤتمر العام وإلقاء السلاح دون قيد أو شرط، بمثابة دعوة لتدمير الشعب الكردي مؤكّداً أن الدولة التركية تصر على سياسة الإبادة.
صراعات داخلية
صلاح الدين مسلم رئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط الديمقراطي قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «حدوث افراجة في القضية الكردية يعتمد على جدية حزب العدالة والتنمية في إرساء قواعد السلام، ويبدو أن هناك صراعات داخلية في تركيا حول مشروع السلام، فالانتقال من أيديولوجية الحرب عبر سنوات إلى أيديولوجية السلام تتطلب ترتيبا طويل المدى، فإذا انتصر صوت العقل لإنقاذ تركيا من المجهول فإنه يتحتم الجدية في تناول ملف السلام، فلم تعد هذه السياسة القديمة الكلاسيكية التركية تجدي مع تطور الوعي الكردي، وفي عصر يفرض لغة جديدة، وسياسات تواكب العصر».
وحول تحركات القوى السياسية التركية المؤيدة للقضية الكردية قال «مسلم»: «هذه القوى باتت تسيطر على المشهد السياسي من خلال التوازنات والسياسة الهادئة، ومعرفة كسب جميع أطراف الشعوب، وطريقة تعاملها مع المجريات الحالية بثقة وقوة تستمدها من ثقة القائد عبد الله أوجلان الذي فرض نفسه كمنقذ لتركيا والشرق الأوسط، ونموذج الأمة الديمقراطية تفرض وجودها، لقد حاولت الدولة التركية عبر امتداد الحراك السوري قبل ١٤ عاما من القضاء على هذا النموذج وهذه الأيديولوجية، لكنها لم تنجح، فالدولة التركية الكلاسيكية ظلت أسيرة الدوغمائية القائلة بأن قوة الكرد يعني ضعف الترك، كما أنهم يدركون أن القائد هو منقذ تركيا، لكن الدولة التركية تحاول أن تخرج دائما بوجه المنتصر، وهذا لا يهم، فالمهم هو انتصار إرادة الشعوب، وقد أبدى بهجلي فكرته الواضحة وبطريقة عنجهية أفاد بأن السلام يقضي أن يخرج القائد عبد الله أوجلان من المعتقل، فهو يدرك أنه الحل الوحيد لإنقاذ الشعبين الكردي والتركي لكن هذه الأحزاب استطاعت أن تفرض فكرها الديمقراطي وترسيخ مبدأ الحوار والسلام».
مشروع السلام
لقد بات مشروع السلام في تركيا ضرورة لتحقيق الاستقرار في المنطقة بما ينعكس على دول الاتحاد الأوروبي فالحرب ليست في صالحها، ومحاولات الاتحاد حثيثة في هذا الصدد، وعلى شتى السبل، ولم يكن مشروع الأمة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا إلا ترسيخا لفكرة السلام، وكان هذا المشروع مثالاً صارخاً وعملياً للنظريات التي طرحها القائد، فالقائد ليس رئيس حزب كما تريد الدولة التركية أن تسوقه، وإنما نهجا وتيارا وفكرا أعطى أمثلة جبارة للعالم عن الفداء والتضحية والدفاع والسلام.

مصطفى صلاح الباحث في الشأن التركي أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «توجهات تركيا الجديدة إزاء القضية الكردية ناجمة عن تغيرات سياسية عدة شهدته منطقة الشرق الأوسط وأبرزها ما حدث في سوريا فضلا عن الحرب على غزة التي امتدت إلى سوريا ولبنان حيث مثلت تلك الأحداث ضغطاً سياسياً على أردوغان سواء من قبل المجتمع الدولي أو المحلي تزامناً مع ظهور أوضاع سياسية داخلية تتعلق بالاستحقاقات الدستورية والحكم، وهو ما يتطلب نوعاً من المرونة لتمرير اتفاقات جديدة تحد من اتساع رقعة المعارضة الداخلية لأردوغان وبالتالي مثلت القضية الكردية مرتكزا في سياسة العدالة والتنمية بشرط أن تتوافق القرارات أو التحركات الجديدة مع مصالح الحزب والنظام».