باحث مصري: نداء عبد الله أوجلان نقلة جوهرية ويؤكد بأنه هو من يسعى للسلام دوماً
أكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور المصري، محمد رفعت الإمام، أن نداء القائد عبد الله أوجلان للسلام يُعد نقلة نوعية وجوهرية، تثبت أن حزب العمال الكردستاني هو من يبادر دائماً للسلام، وهذا ما يضع نظام السلطات في تركيا أمام اختبار جديد، محذراً من أن هذا النداء التاريخي قد يُصدم بالذهنية التركية التي تقوم على الإقصاء والتطرف.

في 27 شباط، وجّه القائد عبد الله أوجلان نداءً تاريخياً، دعا فيه إلى السلام والديمقراطية، ليعلن بعده حزب العمال الكردستاني (PKK) وقف إطلاق النار وتأييده لعملية السلام.
نقلة نوعية وجوهرية
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة دمنهور بمصر، الدكتور محمد رفعت الإمام تحدث حول ذلك لوكالتنا، بالقول: “دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي التي أطلقها المناضل السياسي والمفكر الأممي عبد الله أوجلان تُعدّ نقلة نوعية وجوهرية في مشروع عبد الله أوجلان للسلام الذي تبناه، سواء في مرحلته النضالية المسلحة أو في مرحلته الدبلوماسية والمسارات السياسية”.
وأوضح: “نجح عبد الله أوجلان بدعوته للسلام والمجتمع الديمقراطي في ضرب أحد أبرز ثوابت الأيديولوجية التركية لاسيما الأحزاب القومية والنظام الحاكم، كما نجح المفكر والمناضل بمشروعه في إبراز حسن نوايا وجدية الكرد، وصارت أنقرة أمام اختبار مصداقية فيما يخص الحل العادل للقضية الكردية”.
الإمام أشار إلى أنه “في الواقع كانت الذهنية التركية الشوفينية المتطرفة العائق الأبرز في مسارات تسوية المسألة الكردية، والمنتظر من النظام التركي اتخاذ خطوات عملية حقيقية وصادقة لإقناع الكرد قبل الرأي العام الإقليمي والدولي، والسؤال هنا، هل تتخلى أنقرة عن استراتيجية الإقصاء والتطرف ضد الكرد؟ حيث يأتي السلام الذي دعا له عبد الله أوجلان بعد كفاح مسلح استمر لأكثر من أربعة عقود بين الأنظمة التركية والحركة الكردية للاعتراف بالهوية الكردية وحقوق الكرد السياسية والمدنية في ظل إنكار أنقرة التام للوجود الكردي”.
مشروع القائد عبد الله أوجلان يتميز بالمرونة
الباحث المصري أكد بأن “المناضل والمفكر عبد الله أوجلان يتميز بمرونة مشروعه للسلام في الشرق الأوسط والآن أدرك بأن الكفاح المسلح قد أبدى دوره، ودعا إلى مسار بديل من خلال السلام والمجتمع الديمقراطي ولذلك تعد أبرز التحولات الجوهرية هي دعوة الأب المؤسس والمنظر الأيديولوجي لحزب العمال الكردستاني لنزع سلاح الحزب وحله من خلال مؤتمر له بعد أن دافع دوماً عن المقاومة المسلحة كوسيلة لتأمين الحقوق الكردية، ومن ثم يرى عبد الله أوجلان أن النضال المسلح لم يعد آلية مناسبة وفقاً للمتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية”.
وأضاف: “من الأفكار المرنة لعبد الله أوجلان أنه استبدل التطلعات القومية الكردية بنموذج المجتمع الديمقراطي، وبذلك رفض المفكر الموسوعي والسياسي الخبير عبد الله أوجلان إنشاء دولة قومية كردية أو فيدرالية أو حكم ذاتي ولا يوجد تناقض جوهري بين مفهوم الأمة الديمقراطية التي تعتبر نواة المشروع بأكمله وبين المجتمع الديمقراطي الذي يطرحه حالياً، وهو المفهوم الذي يدعم بقوة التشاركية بين مختلف المكونات العرقية والدينية دون قيام أو إنشاء أو خلق كيانات انفصالية”.
وأردف قائلاً: “لكن هذا الطرح المرن من قبل عبد الله أوجلان سوف يصطدم مع ذهنية الأنظمة التركية التي تعاطت مع كل ما هو كردي من منظور أمني استقصائي شوفيني في المقابل كيف سيتقبل كرد تركيا هذه الأيديولوجية وكيف سيضعونها قيد التنفيذ”؟
وحول تأثيرات هذا النداء التاريخي، أوضح الإمام أنه “في حال تفعيل هذه الدعوة التاريخية سوف تستفيد تركيا من عدة نواحٍ، أولاً، تحسين صورتها أمام الرأي العام الدولي فيما يخص حقوق الإنسان، وربما يؤدي هذا إلى إعادة حلم دخول الاتحاد الأوروبي، وهو الذي ينتقد دوماً استراتيجيات قمع الكرد على أيدي النظام التركي، ثانياً، تقليل الإنفاق العسكري في جنوب شرق تركيا مما يتيح للنظام التركي إقامة مشاريع اقتصادية ترفع من مكانة تركيا التي تواجه أزمات اقتصادية”.
الذهنية التركية تهدد آمال السلام
الإمام لم يخفِ تخوفه، قائلاً: “على الأرجح ووفقاً للتجارب التاريخية الكبيرة السابقة، فإن الدولة العميقة سوف تؤدي إلى عدم إتمام هذه المبادرة السلمية خصوصاً وأن دستور تركيا الحالي قائم على فكرة القومية التركية ومرتكز للدولة وهو ما يعني بأن أي تعديلات أو تغييرات دستورية ربما تواجه بعنف من قبل التيار القومي وكذلك التيار الإسلامي أيضاً”.
وأوضح “لا شك أن دعوة عبد الله أوجلان للسلام تحتاج إلى تعديل الدستور التركي لتعزيز حقوق الكرد ومنها على سبيل المثال استخدام اللغة الكردية في التعليم والإعلام الرسمي وفتح المجال السياسي أمام الأحزاب الكردية للمشاركة السياسية وعدم القبض عليهم بتهمة الإرهاب أو التواصل مع جماعات إرهابية وتطوير صيغة محلية تضمن للكرد إدارة أمورهم الذاتية دون انفصال عن جسد الدولة”.
وأضاف: “أخشى جداً على خلفية ثوابت الذهنية التركية والتجارب التركية – الكردية السابقة أن يستغل النظام التركي هذه الدعوة للسلام للقضاء على حزب العمال الكردستاني، بل والقضاء على كل حركة كردية دون تقديم أي امتيازات أو تنازلات للكرد”.
وحذّر من “أن يكون الحوار الكردي – التركي لعبة سياسية لإضعاف صعود الحراك الكردي أو لعبة تكتيكية ضمن مصالح تركية – أمريكية – إسرائيلية لتوجيه ضربة قوية ضد الحراك الكردي القوي ولهذا يجب عدم الانخداع للمرة الألف بالنظام التركي وأطالب الأطراف الكردية المعنية بطلب ضمانات دولية ومن الأمم المتحدة حتى لا يقعوا في فخ التفاوض التركي”.