المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

الباحثة سحر حسن: نداء عبد الله أوجلان رؤية تحررية تاريخية تُعيد تشكيل مستقبل الشرق الأوسط

48

أكدت الباحثة سحر حسن أحمد علي المتخصصة في تاريخ مصر الحديث وشؤون الهويات بأن نداء عبد الله أوجلان نداء “تاريخي” لأنه جاء في لحظة فارقة تشهد تصاعد الأزمات في الشرق الأوسط، حيث فشلت مشاريع الدولة القومية في تحقيق العدالة أو التعددية.

الصورة الحالية ليس لديها نص بديل. اسم الملف هو: فففف-1.jpg

في ظل الاضطرابات العميقة التي يشهدها الشرق الأوسط، وتصاعد النزاعات والصراعات السياسية والهوية، يبرز نداء عبد الله أوجلان كمحطة فكرية وسياسية فارقة تستدعي إعادة النظر في مفاهيم الدولة، الهوية، السلطة والحرية. هذا النداء الذي أطلقه أوجلان لا يُعد مجرد خطاب سياسي عابر، بل يمثل رؤية تحررية شاملة تنادي بإعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي على أسس الديمقراطية التشاركية، وتحرر المرأة، واعتراف بالتعددية الثقافية والسياسية، وفي هذا السياق، تحدثت لوكالتنا وكالة فرات للأنباء الباحثة سحر حسن أحمد علي عن النداء الذي أطلقه القائد آبو، قائلة: “نداء أوجلان نداء ’تاريخي‘ لأنه يجمع بين عدة عوامل: لحظة سياسية حرجة، رؤية تحررية بديلة، ودعوة لمشروع سلام جذري”، مشيرة إلى أن النداء جاء في ظل فشل مشاريع الدولة القومية، وتنامي القومية المتطرفة، والسلطة الذكورية، واضطراب المنطقة إقليمياً.

ونوهت إلى أن النداء قدم رؤية فكرية تتجاوز الخطاب الكردي التقليدي القائم على المطالبة بالدولة، إذ طرح بديلاً يقوم على الأمة الديمقراطية بدل الدولة القومية، والحكم الذاتي المجتمعي بدل السلطة المركزية، وجعل المرأة مفتاحاً لتحرر المجتمع بأجمعه.

وتابعت الباحثة قائلة: “النداء دعا إلى مشروع سلام جذري يخص كل شعوب الشرق الأوسط، يقوم على الاعتراف بالهويات والحقوق الثقافية والسياسية، وتفكيك بنى الاستعمار الداخلي والقومية المتطرفة والسلطة الذكورية، وهو مشروع سلام بنيوي يتجاوز مجرد هدنة سياسية”.

فيما يتعلق بإمكانية استيعاب الدولة القومية لمشروع أوجلان، أوضحت الباحثة أن الدولة القومية بشكلها الحالي غير قادرة على استيعاب مشروع أوجلان، لأن المشروع يصطدم بجوهرها الأيديولوجي والسياسي، مضيفة: “جوهر الدولة القومية يقوم على التجانس ولغة وهوية واحدة رسمية غالباً على حساب الهويات الأخرى، بينما مشروع أوجلان يقوم على الاعتراف بالتعددية واللامركزية وشرعية الرضا الشعبي”.

وشدت سحر على أن الدولة القومية تتبنى مركزية السلطة، في حين أن الأمة الديمقراطية تقوم على تفكيك هرم السلطة التقليدي واستبداله بسلطات مجتمعية محلية مثل الكومينات والمجالس والتعاونيات والحكم الذاتي، قائلة: “هذا يعتبر تهديداً لوحدة السلطة ووحدة السيادة في الدولة القومية”.

كما أكدت أن مشروع أوجلان يُعيد تعريف الشرعية السياسية، فالدولة القومية تؤسس شرعيتها على السيادة والقانون والدستور، أما مشروع أوجلان فيُؤسس شرعيته على الرضا الشعبي المحلي والمشاركة الجماعية المباشرة، وهو ما تعتبره الدول تهديداً لاحتكار الشرعية.

وأشارت إلى أن مشروع أوجلان لا يطلب التكيف مع الدولة القومية، بل يطالب بتجاوزها، إنه مشروع ‘ما بعد الدولة القومية’، ولهذا يصطدم بجوهرها لا بجدرانها فقط.

وفيما يتعلق بتحرير أوجلان، قالت الباحثة: “هذه المقولة ليست مجرد شعار سياسي، بل تحمل أبعاداً رمزية وفكرية واستراتيجية، فهو لم يعد مجرد قائد كردي، بل صار رمزاً لمشروع تحرري شامل يطرح بديلاً عن الأنظمة السلطوية والطائفية والذكورية في الشرق الأوسط”. وأضافت: “أن تحريره يُرى ككسر لرمزية القمع التي تطال كل دعاة التحرر، وإسقاط لصنم السجن والهيمنة”، مؤكدة أن مصير أوجلان مرتبط بمصير شعوب مضطهدة، فهو يمثل أطروحة تسعى إلى إنهاء القومية الاستبدادية وتمكين المرأة وخلق نظام تشاركي تعددي، وهي مطالب تتجاوز الكرد وتخاطب شعوب المنطقة بأسرها.

ولفتت الانتباه إلى أن تحرير أوجلان ليس فقط مطلباً إنسانياً، بل يحمل وزناً سياسياً، فكرياً ورمزياً عظيماً، وقد يكون لحظة فارقة تبشر بإمكانية تحول حقيقي في الشرق الأوسط، لكن تحرر الشعوب لن يتحقق إلا بتحول أفكاره إلى ممارسة يومية جماعية.

فيما يتعلق بإمكانية بناء سلام دائم دون الاعتراف بأوجلان، أكدت الباحثة أن السلام لا يُبنى دون الاعتراف بالإرادة السياسية والفكرية التي يمثلها أوجلان، لأن تجاوزه أو تجاهله يعني تكرار أسباب الصراع ذاتها بصيغ مختلفة، مضيفة أن “السلام يقوم على الاعتراف الصريح بالمختلف واحترام إرادته الحرة في صياغة مصيره”.

وأوضحت أن أوجلان ليس شخصاً فقط، بل حامل لمشروع بديل، ولا يطرح نفسه كقائد قومي للكرد فقط، بل كصاحب رؤية فكرية تحررية للمنطقة كلها، وإن تجاهل هذه الرؤية هو إقصاء لفكرة متكاملة تسعى إلى حل جذور المشكلة.

وبخصوص دور النساء في الحملة من أجل حرية أوجلان، أشارت الباحثة إلى أن دور النساء لا يقتصر على الدعم الرمزي إطلاقًا، بل هو امتداد لنضال أوسع ضد منظومة الهيمنة الذكورية والسياسية التي تقيد حرية الشعوب والنساء معاً، قائلة: “النساء في الحملة هنّ رأس الحرية، لا مجرد متضامنات، يقدن النضال الميداني والفكري ويعتبرنّ حرية أوجلان بوابة لتحطيم بنى القهر التاريخية”.

وتابعت: “فكر أوجلان يجعل من تحرر المرأة حجر الأساس لتحرر المجتمع كله، وهنّ يجعلن من حرية أوجلان مفتاحًا للحياة”.

وفي الختام، قالت الباحثة إن أول سؤال أيديولوجي ستطرحه على أوجلان لو أتيحت لها الفرصة هو:

“هل تعتقد أن تحرر المرأة يمكن أن يسبق تحرر المجتمع، أم أن عليهما أن يسيرا بالتوازي؟ ولماذا؟”

وأوضحت أن هذا السؤال “في قلب مشروع أوجلان الذي أعاد صياغة العلاقة بين تحرر المرأة والثورة الاجتماعية بشكل جذري، معتبراً أن العبودية الأولى في التاريخ هي عبودية المرأة، ولا يمكن تحقيق حرية حقيقية دون ثورة نسوية جذرية”.

واختتمت الباحثة سحر حديثها قائلة إن هذا السؤال يستوضح ما إذا كان تحرر المرأة شرطًا زمنياً سابقاً لبقية أشكال التحرر، أم أن الثورة لا تكتمل إلا بتقدم الحلقات معاً، وهو في صميم أي تجربة تحرر تبحث عن التغيير من الجذور لا من القشرة.